وجملة (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) تعليل لنفي الريب أي لأنّ الله وعد بجمع الناس له ، فلا يخلف ذلك ، والمعنى : إنّ الله لا يخلف خبره ، والميعاد هنا اسم مكان.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (١١))
استئناف كلام ناشئ عن حكاية ما دعا به المؤمنون : من دوام الهداية ، وسؤال الرحمة ، وانتظار الفوز يوم القيامة ، بذكر حال الكافرين في ذلك اليوم ، على عادة القرآن في إرداف البشارة بالنذارة. وتعقيب دعاء المؤمنين ، بذكر حال المشركين ، إيماء إلى أنّ دعوتهم استجيبت. والمراد بالذين كفروا : المشركون ، وهذا وصف غالب عليهم في اصطلاح القرآن وقيل : الذين كفروا بنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم أريد هنا قريظة والنضير وأهل نجران ؛ ويرجّح هذا بأنّهم ذكّروا بحال فرعون دون حال عاد وثمود فإنّ اليهود والنصارى أعلق بأخبار فرعون. كما أنّ العرب أعلق بأخبار عاد وثمود ، وأنّ الردّ على النصارى من أهمّ أغراض هذه السورة. ويجوز أن يكون المراد جميع الكافرين : من المشركين ، وأهل الكتابين ، ويكون التذكير بفرعون لأنّ وعيد اليهود في هذه الآية أهم.
ومعنى «تغني» تجزي وتكفي وتدفع ، وهو فعل قاصر يتعدّى إلى المفعول بعن نحو : «ما أغني ماليه».
ولدلالة هذا الفعل على الإجزاء والدفع ، كان مؤذنا بأنّ هنالك شيئا يدفع ضرّه ، وتكفى كلفته ، فلذلك قد يذكرون مع هذا الفعل متعلّقا ثانيا ويعدّون الفعل إليه بحرف (من) كما في هذه الآية. فتكون (من) للبدل والعوض على ما ذهب إليه في «الكشاف» ، وجعل ابن عطية (من) للابتداء.
وقوله : (مِنَ اللهِ) أي من أمر يضاف إلى الله ؛ لأنّ تعليق هذا الفعل ، تعليقا ثانيا ، باسم ذات لا يقصد منه إلّا أخصّ حال اشتهرت به ، أو في الغرض المسوق له الكلام فيقدّر معنى اسم مضاف إلى اسم الجلالة. والتقدير هنا من رحمة الله ، أو من طاعته ، إذا كانت (من) للبدل وكذا قدّره في «الكشاف» ، ونظّره بقوله تعالى : (وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) [النجم : ٢٨]. وعلى جعل (من) للابتداء كما قال ابن عطية تقدّر من غضب الله ، أو من عذابه ، أي غناء مبتدئا من ذلك : على حدّ قولهم : نجّاه من كذا أي فصله منه ، ولا