وقصره على هذا ـ وهو بعيد ـ لأنّ تزيين هذه الشهوات في ذاته قد يوافق وجه الإباحة والطاعة ، فليس يلازمها تسويل الشيطان إلّا إذا جعلها وسائل للحرام ، وفي الحديث : «قالوا : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر فقال : أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر ، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» وسياق الآية تفضيل معالي الأمور وصالح الأعمال على المشتهيات المخلوطة أنواعها بحلال منها وحرام ، والمعرّضة للزوال ، فإنّ الكمال بتزكية النفس لتبلغ الدرجات القدسية ، وتنال النعيم الأبدي العظيم ؛ كما أشار إليه قوله : (ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ).
وبيان الشهوات بالنساء والبنين وما بعدهما ، بيان بأصول الشهوات البشرية : التي تجمع مشتهيات كثيرة ، والتي لا تختلف باختلاف الأمم والعصور والأقطار ، فالميل إلى النساء مركوز في الطبع ، وضعه الله تعالى لحكمة بقاء النوع بداعي طلب التناسل ؛ إذ المرأة هي موضع التناسل ، فجعل ميل الرجل إليها في الطبع حتى لا يحتاج بقاء النوع إلى تكلّف ربّما تعقبه سآمة ، وفي الحديث : «ما تركت بعدي فتنة أشدّ على الرجال من فتنة النساء» ولم يذكر الرجال لأنّ ميل النساء إلى الرجال أضعف في الطبع ، وإنّما تحصل المحبّة منهن للرجال بالإلف والإحسان.
ومحبّة الأبناء ـ أيضا ـ في الطبع : إذ جعل الله في الوالدين ، من الرجال والنساء ، شعورا وجدانيا يشعر بأنّ الولد قطعة منهما ، ليكون ذلك مدعاة إلى المحافظة على الولد الذي هو الجيل المستقبل ، وببقائه بقاء النوع ، فهذا بقاء النوع بحفظه من الاضمحلال المكتوب عليه ، وفي الولد أيضا حفظ للنوع من الاضمحلال العارض بالاعتداء على الضعيف من النوع ؛ لأنّ الإنسان يعرض له الضعف ، بعد القوة ، فيكون ولده دافعا عنه عداء من يعتدي عليه ، فكما دفع الوالد عن ابنه في حال ضعفه ، يدفع الولد عن الوالد في حال ضعفه.
والذهب والفضة شهوتان بحسن منظرهما وما يتّخذ منهما من حلي للرجال والنساء ، والنقدان منهما : الدنانير والدراهم ، شهوة لما أودع الله في النفوس منذ العصور المتوغّلة في القدم من حبّ النقود التي بها دفع أعواض الأشياء المحتاج إليها.
(وَالْقَناطِيرِ) جمع قنطار وهو ما يزن مائة رطل ، وأصله معرّب قيل عن الرومية اللاتينية الشرقية ، كما نقله النقّاش عن الكلبي ، وهو الصحيح ؛ فإن أصله في اللّاتينية «كينتال» وهو مائة رطل. وقال ابن سيده : هو معرّب عن السريانية. فما في «الكشاف» في