وقوله : (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ) الآية صفات للذين اتّقوا ، أو صفات للذين يقولون ، والظاهر الأوّل. وذكر هنا أصول فضائل صفات المتديّنين : وهي الصبر الذي هو ملاك فعل الطاعات وترك المعاصي. والصدق الذي هو ملاك الاستقامة وبثّ الثقة بين أفراد الأمة. والقنوت ، وهو ملازمة العبادات في أوقاتها وإتقانها وهو عبادة نفسية جسدية. والإنفاق وهو أصل إقامة أود الأمة بكفاية حاج المحتاجين ، وهو قربة مالية والمال شقيق النفس. وزاد الاستغفار بالأسحار وهو الدعاء والصلاة المشتملة عليه في أواخر الليل ، والسحر سدس الليل الأخير ؛ لأنّ العبادة فيه أشدّ إخلاصا ، لما في ذلك الوقت من هدوء النفوس ، ولدلالته على اهتمام صاحبه بأمر آخرته ، فاختار له هؤلاء الصادقون آخر الليل لأنّه وقت صفاء السرائر ، والتجرّد عن الشواغل.
وعطف في قوله : (الصَّابِرِينَ) ، وما بعده : سواء كان قوله : (الصَّابِرِينَ) صفة ثانية ، بعد قوله : (الَّذِينَ يَقُولُونَ) ، أم كان ابتداء الصفات بعد البيان طريقة ثانية من طريقتي تعداد الصفات في الذكر في كلامهم ، فيكون ، بالعطف وبدونه ، مثل تعدّد الأخبار والأحوال ؛ إذ ليست حروف العطف بمقصورة على تشريك الذوات. وفي «الكشاف» ؛ أنّ في عطف الصفات نكتة زائدة على ذكرها بدون العطف وهي الإشارة إلى كمال الموصوف في كلّ صفة منها ، وأحال تفصيله على ما تقدم له في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) [البقرة : ٤] مع أنّه لم يبيّن هنالك شيئا من هذا ، وسكت الكاتبون عن بيان ذلك هنا وهناك ، وكلامه يقتضي أنّ الأصل عنده في تعدّد الصفات والأخبار ترك العطف فلذلك يكون عطفها مؤذنا بمعنى خصوصي ، يقصده البليغ ، ولعل وجهه أنّ شأن حرف العطف أن يستغنى به عن تكرير العامل فيناسب المعمولات ، وليس كذلك الصفات ، فإذا عطفت فقد نزلت كل صفة منزلة ذات مستقلة ، وما ذلك إلّا لقوة الموصوف في تلك الصفة ، حتى كأنّ الواحد صار عددا ، كقولهم واحد كألف ، ولا أحسب لهذا الكلام تسليما. وقد تقدم عطف الصفات عند قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) في سورة البقرة.
(شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨))
استئناف وتمهيد لقوله : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) [آل عمران : ١٩] ذلك أنّ أساس الإسلام هو توحيد الله ، وإعلان هذا التوحيد ، وتخليصه من شوائب الإشراك ، وفيه تعريض بالمشركين وبالنصارى واليهود ، وإن تفاوتوا في مراتب الإشراك ، وفيه ضرب من ردّ العجز