وجيء بمن الدالة على تنصيص العموم لئلّا يترك لهم مدخل إلى التأويل.
[٢٣ ـ ٢٥] (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٥))
استئناف ابتدائي : للتعجيب من حالة اليهود في شدّة ضلالهم. فالاستفهام في قوله : (أَلَمْ تَرَ) للتقرير والتعجيب ، وقد جاء الاستعمال في مثله أن يكون الاستفهام داخلا على نفي الفعل والمراد حصول الإقرار بالفعل ليكون التقرير على نفيه محرّضا للمخاطب على الاعتراف به بناء على أنّه لا يرضى أن يكون ممّن يجهله ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ) في سورة البقرة [٢٥٨].
والرؤية بصرية بدليل تعديتها بحرف إلى : الذي يتعدى به فعل النظر ، وجوز صاحب «الكشاف» في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) في سورة النساء [٤٤] : أن تكون الرؤية قلبية ، وتكون (إلى) داخلة على المفعول الأول لتأكيد اتّصال العلم بالمعلوم وانتهائه المجازي إليه ، فتكون مثل قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ) [البقرة : ٢٥٨].
وعرف المتحدّث عنهم بطريق الموصولية دون لقبهم ، أعني اليهود : لأنّ في الصلة ما يزيد التعجيب من حالهم ؛ لأنّ كونهم على علم من الكتاب قليل أو كثير من شأنه أن يصدّهم عمّا أخبر به عنهم. على ما في هذه الصلة أيضا من توهين علمهم المزعوم.
والكتاب : التوراة فالتعريف للعهد ، وهو الظاهر ، وقيل : هو للجنس.
والمراد بالذين أوتوه هم اليهود ، وقيل : أريد النصارى ، أي أهل نجران.
والنصيب : القسط والحظّ وتقدم عند قوله تعالى : (أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا) في سورة البقرة [٢٠٢].
وتنكير (نَصِيباً) للنوعية ، وليس للتعظيم ؛ لأنّ المقام مقام تهاون بهم ، ويحتمل أن يكون التنوين للتقليل.
و (مِنَ) للتبعيض ، كما هو الظاهر من لفظ النصيب ، فالمراد بالكتاب جنس الكتب ، والنصيب هو كتابهم ، والمراد : أوتوا بعض كتابهم ، تعريضا بأنّهم لا يعلمون من كتابهم