والرزق ما ينتفع به الإنسان فيطلق على الطعام والثمار كقوله : (وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) [آل عمران : ٣٧] وقوله : (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) [الكهف : ١٩] ، ويطلق على أعمّ من ذلك ممّا ينتفع به كما في قوله تعالى : (يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ. وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ ـ ثم قال ـ إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ) [ص : ٥١ ـ ٥٤] وقوله : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ) ومن ثم سميت الدراهم والدنانير رزقا : لأنّ بها يعوض ما هو رزق ، وفي هذا إيماء إلى بشارة للمسلمين بما أخبئ لهم من كنوز الممالك الفارسية والقيصرية وغيرها.
(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٢٨))
استئناف عقب به الآي المتقدمة ، المتضمّنة عداء المشركين للإسلام وأهله ، وحسد اليهود لهم ، وتولّيهم عنه : من قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ) [آل عمران : ١١٦] إلى هنا.
فالمناسبة أنّ هذه كالنتيجة لما تقدمها :
نهى الله المؤمنين ـ بعد ما بيّن لهم بغي المخالفين وإعراضهم ـ أن يتخذوا الكفّار أولياء من دون المؤمنين ؛ لأنّ اتّخاذهم أولياء ـ بعد أن سفّه الآخرون دينهم وسفّهوا أحلامهم في اتّباعه ـ يعدّ ضعفا في الدين وتصويبا للمعتدين.
وشاع في اصطلاح القرآن إطلاق وصف الكفر على الشرك ، والكافرين والذين كفروا على المشركين ، ولعلّ تعليق النهي عن الاتّخاذ بالكافرين بهذا المعنى هنا لأنّ المشركين هم الذين كان بينهم وبين المهاجرين صلات ، وأنساب ، ومودّات ، ومخالطات مالية ، فكانوا بمظنّة الموالاة مع بعضهم. وقد علم كل سامع أنّ من يشابه المشركين في موقفه تجاه الإسلام يكون تولّي المؤمنين إياه كتولّيهم المشركين. وقد يكون المراد بالكافرين جميع المخالفين في الدين : مثل المراد من قوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) [آل عمران : ١٩] ، فلذلك كله قيل : إن الآية نزلت في «حاطب بن أبي بلتعة» وكان كان من أفاضل المهاجرين وخلّص المؤمنين ، إلا أنه تأول فكتب كتابا إلى قريش يعلمهم بتجهيز النبيصلىاللهعليهوسلم لفتح مكة ، وقيل : نزلت في أسماء ابنة أبي بكر لما استفتت رسول الله صلىاللهعليهوسلم في برّ والدتها وصلتها ، أي قبل أن تجيء أمّها إلى المدينة راغبة ؛ فإنّه ثبت في «الصحيح»