وقوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) يجوز أن كون تكريرا للتحذير الأول لزيادة التأكيد كقول لبيد :
فتنازعا سبطا يطير ظلاله |
|
كدخان مشعلة يشبّ ضرامها |
مشمولة غلثت بنابت عرفج |
|
كدخان نار ساطع أسنامها |
ويجوز أن يكون الأول تحذيرا من موالاة الكافرين ، والثاني تحذيرا من أن يجدوا يوم القيامة ما عملوا من سوء محضرا.
والخطاب للمؤمنين ولذلك سمّى الموعظة تحذيرا : لأنّ المحذّر لا يكون متلبّسا بالوقوع في الخطر ، فإنّ التحذير تبعيد من الوقوع وليس انتشالا بعد الوقوع وذيّله هنا بقوله : (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) للتذكير بأنّ هذا التحذير لمصلحة المحذّرين.
والتعريف في العباد للاستغراق : لأنّ رأفة الله شاملة لكلّ الناس مسلمهم وكافرهم : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) [فاطر : ٤٥](اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ) [الشورى : ١٩] وما وعيدهم إلّا لجلب صلاحهم ، وما تنفيذه بعد فوات المقصود منه إلّا لصدق كلماته ، وانتظام حكمته سبحانه. ولك أن تجعل (أل) عوضا عن المضاف إليه أي بعباده فيكون بشارة للمؤمنين.
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١))
انتقال إلى الترغيب بعد الترهيب على عادة القرآن. والمناسبة أنّ الترهيب المتقدم ختم بقوله : (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) [آل عمران : ٣٠] والرأفة تستلزم محبة المرءوف به الرءوف ، فجعل محبة الله فعلا للشرط في مقام تعليق الأمر باتباع الرسول عليه مبنيّ على كون الرأفة تستلزم المحبة ، أو هو مبني على أنّ محبة الله أمر مقطوع به من جانب المخاطبين ، فالتعليق عليه تعليق شرط محقّق ، ثم رتّب على الجزاء مشروط آخر وهو قوله : (يُحْبِبْكُمُ اللهُ) لكونه أيضا مقطوع الرغبة من المخاطبين ، لأنّ الخطاب للمؤمنين ، والمؤمن غاية قصده تحصيل رضا الله عنه ومحبته إياه.
والمحبة : انفعال نفساني ينشأ عند الشعور بحسن شيء : من صفات ذاتية. أو إحسان ، أو اعتقاد أنّه يحب المستحسن ويجر إليه الخير. فإذا حصل ذلك الانفعال عقبه ميل وانجذاب إلى الشيء المشعور بمحاسنه ، فيكون المنفعل محبّا ، ويكون المشعور