بمحاسنه محبوبا ، وتعدّ الصفات التي أوجبت هذا الانفعال جمالا عند المحبّ ، فإذا قوي هذا الانفعال صار تهيّجا نفسانيا ، فسمي عشقا للذوات ، وافتنانا بغيرها.
والشعور بالحسن الموجب للمحبة يستمدّ من الحواسّ في إدراك المحاسن الذاتية المعروفة بالجمال ، ويستمد أيضا من التفكّر في الكمالات المستدلّ عليها بالعقل وهي المدعوة بالفضيلة ، ولذلك يحبّ المؤمنون الله تعالى ، ويحبّون النبي صلىاللهعليهوسلم ، تعظيما للكمالات ، واعتقادا بأنّهما يدعوانهم إلى الخير ، ويحبّ الناس أهل الفضل الأوّلين كالأنبياء والحكماء والفاضلين ، ويحبون سعاة الخير من الحاضرين وهم لم يلقوهم ولا رأوهم.
ويرجع الجمال والفضيلة إلى إدراك النفس ما يلائمها : من الأشكال ، والأنغام ، والمحسوسات ، والخلال. وهذه الملاءمة تكون حسيّة لأجل مناسبة الطبع كملاءمة البرودة في الصيف ، والحرّ في الشتاء ، وملاءمة الليّن لسليم الجلد ، والخشن لمن به داعي حكّة ، أو إلى حصول منافع كملاءمة الإحسان والإغاثة. وتكون فكرية لأجل غايات نافعة كملاءمة الدواء للمريض ، والتعب لجاني الثمرة ، والسهر للمتفكّر في العلم ، وتكون لأجل الإلف ، وتكون لأجل الاعتقاد المحض ، كتلقّي الناس أنّ العلم فضيلة ، ويدخل في هذين محبة الأقوام عوائدهم من غير تأمل في صلاحها ، وقد تكون مجهولة السبب كملاءمة الأشكال المنتظمة للنفوس وملاءمة الألوان اللطيفة.
وفي جميع ذلك تستطيع أن تزيد اتضاحا بأضدادها كالأشكال الفاسدة ، والأصوات المنكرة ، والألوان الكريهة ، دائما أو في بعض الأحوال ، كاللون الأحمر يراه المحموم.
ولم يستطع الفلاسفة توضيح علّة ملاءمة بعض ما يعبر عنه بالجمال للنفوس : ككون الذات جميلة أو قبيحة الشكل ، وكون المربع أو الدائرة حسنا لدى النفس ، والشكل المختلّ قبيحا ، ومع الاعتراف باختلاف الناس في بعض ما يعبر عنه بالجمال والقبح كما قال أبو الطيب :
ضروب الناس عشاق ضروبا
وأنّ بعض الناس يستجيد من الملابس ما لا يرضى به الآخر ويستحسن من الألوان ما يستقبحه الآخر ، ومع ذلك كله فالمشاهد أنّ معظم الأحوال لا يختلف فيها الناس السالمو الأذواق.