إليه من اشتهار سنة تسع بأنّها سنة الوفود. والإجماع على أنّ سورة آل عمران من أوائل المدنيّات ، وترجيح أنّها نزلت في وفد نجران يعيّنان أنّ وفد نجران كان قبل سنة الوفود.
(الم (١))
لما كان أول أغراض هذه السورة ، الذي نزلت فيه ، هو قضية مجادلة نصارى نجران حين وفدوا إلى المدينة ، وبيان فضل الإسلام على النصرانيّة ، لا جرم افتتحت بحروف التهجّي ، المرموز بها إلى تحدّي المكذّبين بهذا الكتاب ، وكان الحظّ الأوفر من التكذيب بالقرآن للمشركين منهم ، ثم للنصارى من العرب ؛ لأنّ اليهود الذين سكنوا بلاد العرب فتكلّموا بلسانهم لم يكونوا معدودين من أهل اللسان ، ويندر فيهم البلغاء بالعربية مثل السّموأل ، وهذا وما بعده إلى قوله : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً) [آل عمران : ٣٣] تمهيد لما نزلت السورة بسببه وبراعة استهلال لذلك.
وتقدم القول في معاني (الم) أول البقرة.
[٢ ـ ٤] (اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٤))
(اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ).
ابتدئ الكلام بمسند إليه خبره فعليّ : لإفادة تقوية الخبر اهتماما به.
وجيء بالاسم العلم : لتربية المهابة عند سماعه ، ثم أردف بجملة (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، جملة معترضة أو حالية ، ردّا على المشركين ، وعلى النصارى خاصة. وأتبع بالوصفين (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) لنفي اللبس عن مسمّى هذا الاسم ، والإيماء إلى وجه انفراده بالإلهية ، وأنّ غيره لا يستأهلها ؛ لأنّه غير حيّ أو غير قيّوم ، فالأصنام لا حياة لها ، وعيسى في اعتقاد النصارى قد أميت ، فما هو الآن بقيّوم ولا هو في حال حياته بقيّوم على تدبير العالم ، وكيف وقد أوذي في الله ، وكذّب ، واختفى من أعدائه. وقد مضى القول في معنى (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) في تفسير آية الكرسي.