وانتصب كل على النيابة عن المفعول فيه ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) في سورة البقرة [٢٥].
فجملة (وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) حال من (زَكَرِيَّا) في قوله (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) [آل عمران : ٣٦].
ولك أن تجعل جملة (وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) بدل اشتمال من جملة (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا).
والمحراب بناء يتّخذه أحد ليخلو فيه بتعبده وصلاته ، وأكثر ما يتخذ في علوّ يرتقي إليه بسلّم أو درج ، وهو غير المسجد. وأطلق على غير ذلك إطلاقات ، على وجه التشبيه أو التوسّع كقول عمر بن أبي ربيعة :
دمية عند راهب قسيس |
|
صوّروها في مذبح المحراب |
أراد في مذبح البيعة ، لأنّ المحراب لا يجعل فيه مذبح. وقد قيل : إنّ المحراب مشتق من الحرب لأن المتعبّد كأنّه يحارب الشيطان فيه ، فكأنّهم جعلوا ذلك المكان آلة لمحرب الشيطان.
ثم أطلق المحراب عند المسلمين على موضع كشكل نصف قبّة في طول قامة ونصف يجعل بموضع القبلة ليقف فيه الإمام للصلاة. وهو إطلاق مولد وأول محراب في الإسلام محراب مسجد الرسول صلىاللهعليهوسلم صنع في خلافة الوليد بن عبد الملك ، مدة إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة. والتعريف في (الْمِحْرابَ) تعريف الجنس ويعلم أنّ المراد محراب جعلته مريم للتعبّد.
و (أنّى) استفهام عن المكان ، أي من أين لك هذا ، فلذلك كان جواب استفهامه قوله : (مِنْ عِنْدِ اللهِ).
واستفهام زكرياء مريم عن الرزق لأنه في غير إبّانه ووقت أمثاله. قيل : كان عنبا في فصل الشتاء. والرزق تقدم آنفا عند قوله : (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ).
وجملة (إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) من كلام مريم المحكي.
والحساب في قوله : (بِغَيْرِ حِسابٍ) بمعنى الحصر لأنّ الحساب يقتضي حصر الشيء المحسوب بحيث لا يزيد ولا ينقص ، فالمعنى إنّ الله يرزق من يريد رزقه بما لا يعرف مقداره لأنه موكول إلى فضل الله.