(هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٨))
أي في المكان ، قبل أن يخرج ، وقد نبّهه إلى الدعاء مشاهدة خوارق العادة مع قول مريم : (إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) [آل عمران : ٣٧] والحكمة ضالة المؤمن ، وأهل النفوس الزكية يعتبرون بما يرون ويسمعون ، فلذلك عمد إلى الدعاء بطلب الولد في غير إبانه ، وقد كان في حسرة من عدم الولد كما حكى الله عنه في سورة مريم. وأيضا فقد كان حينئذ في مكان شهد فيه فيضا إلهيا. ولم يزل أهل الخير يتوخون الأمكنة بما حدث فيها من خير ، والأزمنة الصالحة كذلك ، وما هي إلّا كالذوات الصالحة في أنها محالّ تجلّيات رضا الله.
وسأل الذرية الطيّبة لأنها التي يرجى منها خير الدنيا والآخرة بحصول الآثار الصالحة النافعة. ومشاهدة خوارق العادات خوّلت لزكرياء الدعاء بما هو من الخوارق ، أو من المستبعدات ، لأنّه رأى نفسه غير بعيد عن عناية الله تعالى ، لا سيما في زمن الفيض أو مكانه ، فلا يعد دعاؤه بذلك تجاوزا لحدود الأدب مع الله على نحو ما قرّره القرافي في الفرق بين ما يجوز من الدعاء وما لا يجوز. وسميع هنا معنى مجيب.
(فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (٤٠) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٤١))
الفاء في قوله : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) للتعقيب أي استجيبت دعوته للوقت.
وقوله : (وَهُوَ قائِمٌ) جملة حالية والمقصود من ذكرها بيان سرعة إجابته ؛ لأنّ دعاءه كان في صلاته.
ومقتضى قوله تعالى : (هُنالِكَ) والتفريع عليه بقوله : فنادته أنّ المحراب محراب مريم.
وقرأ الجمهور : فنادته ـ بتاء تأنيث ـ لكون الملائكة جمعا ، وإسناد الفعل للجمع