وقوله : (اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) عبر عن العلم واللقب والوصف بالاسم. لأنّ لثلاثتها أثرا في تمييز المسمّى. فأما اللقب والعلم فظاهر. وأما الوصف المفيد للنسب فلأنّ السامعين تعارفوا ذكر اسم الأب في ذكر الأعلام للتمييز وهو المتعارف ، وتذكر الأمّ في النسب إما للجهل بالأب كقول بعضهم : زياد بن سمية قبل أن يلحق بأبي سفيان في زمن معاوية بن أبي سفيان ، وإما لأنّ لأمّه مفخرا عظيما كقولهم : عمرو ابن هند ، وهو عمرو بن المنذر ملك العرب.
والمسيح كلمة عبرانية بمعنى الوصف. ونقلت إلى العربية علما بالغلبة على عيسى وقد سمى متنصرة العرب بعض أبنائهم «عبد المسيح» وأصلها مسّيّح ـ بميم مفتوحة ثم سين مهملة مكسورة مشدّدة ثم ياء مثنّاة مكسورة مشدّدة ثم حاء مهملة ساكنة ـ ونطق به بعض العرب بوزن سكّين.
ومعنى مسيح ممسوح بدهن المسحة وهو الزيت المعطّر الذي أمر الله موسى أن يتّخذه ليسكبه على رأس أخيه هارون حينما جعله كاهنا لبني إسرائيل ، وصارت كهنة بني إسرائيل يمسحون بمثله من يملّكونهم عليهم من عهد شاول الملك ، فصار المسيح عندهم بمعنى الملك : ففي أول سفر صمويل الثاني من كتب العهد القديم قال داود للذي أتاه بتاج شاول الملك المعروف عند العرب بطالوت «كيف لم تخف أن تمدّ يدك لتهلك مسيح الرب».
فيحتمل أنّ عيسى سمّي بهذا الوصف كما يسمّون بملك ويحتمل أنه لقب لقبه به اليهود تهكما عليه إذ اتهموه بأنه يحاول أن يصير ملكا على إسرائيل ثم غلب عليه إطلاق هذا الوصف بينهم واشتهر بعد ذلك ، فلذلك سمي به في القرآن.
والوجيه ذو الوجاهة وهي : التقدّم على الأمثال ، والكرامة بين القوم ، وهي وصف مشتق من الوجه للإنسان وهو أفضل أعضائه الظاهرة منه ، وأجمعها لوسائل الإدراك وتصريف الأعمال ، فأطلق الوجه على أول الشيء على طريقة الاستعارة الشائعة فيقال : وجه النهار لأول النهار قال تعالى : (وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ) [آل عمران : ٧٢] وقال الربيع بن زياد العبسي :
من كان مسرورا بمقتل مالك |
|
فليأت نسوتنا بوجه نهار |
وقال الأعشى :