في الشتاء والصيف فذلك ضيف عمر فليبع كيف شاء ويمسك كيف شاء».
وقرأ الجمهور : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً) ـ برفع تجارة ـ على أنّه فاعل لكان من كان التامّة ، أي تقع. وقرأه عاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف ـ بنصب تجارة ـ على أنّه خبر كان الناقصة ، وتقدير اسمها : إلّا أن تكون الأموال تجارة ، أي أموال تجارة.
وقوله : (عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) صفة ل (تجارة) ، و (عن) فيه للمجاوزة ، أي صادرة عن التراضي وهو الرضا من الجانبين بما يدلّ عليه من لفظ أو عرف. وفي الآية ما يصلح أن يكون مستندا لقول مالك من نفي خيار المجلس : لأنّ الله جعل مناط الانعقاد هو التراضي ، والتراضي يحصل عند التبايع بالإيجاب والقبول.
وهذه الآية أصل عظيم في حرمة الأموال ، وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا عن طيب نفس». وفي خطبة حجّة الوداع «إنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام».
وتقديم النهي عن أكل الأموال على النهي عن قتل الأنفس ، مع أنّ الثاني أخطر ، إمّا لأنّ مناسبة ما قبله أفضت إلى النهي عن أكل الأموال فاستحقّ التقديم لذلك ، وإمّا لأنّ المخاطبين كانوا قريبي عهد بالجاهلية ، وكان أكل الأموال أسهل عليهم ، وهم أشدّ استخفافا به منهم بقتل الأنفس ، لأنّه كان يقع في مواقع الضعف حيث لا يدفع صاحبه عن نفسه كاليتيم والمرأة والزوجة. فآكل أموال هؤلاء في مأمن من التبعات بخلاف قتل النفس ، فإنّ تبعاته لا يسلم منها أحد ، وإن بلغ من الشجاعة والعزّة في قومه كلّ مبلغ ، ولا أمنع من كليب وائل ، لأنّ القبائل ما كانت تهدر دماء قتلاها.
(وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٢٩) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) (٣٠).
قوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) نهي عن أن يقتل الرجل غيره ، فالضميران فيه على التوزيع ، إذ قد علم أنّ أحدا لا يقتل نفسه فينهى عن ذلك ، وقتل الرجل نفسه داخل في النهي ، لأنّ الله لم يبح للإنسان إتلاف نفسه كما أباح له صرف ماله ، أمّا أن يكون المراد هنا خصوص النهي عن قتل المرء نفسه فلا. وأمّا ما في «مسند أبي داود» : أنّ عمرو بن العاص رضياللهعنه تيمّم في يوم شديد البرد ولم يغتسل ، وذلك في غزوة ذات السلاسل وصلّى بالناس ، وبلغ ذلك رسول الله ، فسأله وقال : يا رسول الله إنّ الله يقول : (وَلا