تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) ، فلم ينكر عليه النبي صلىاللهعليهوسلم فذلك من الاحتجاج بعموم ضمير (تَقْتُلُوا) دون خصوص السبب.
وقوله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي المذكور : من أكل المال بالباطل والقتل : وقيل : الإشارة إلى ما ذكر من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) [النساء : ١٩] لأنّ ذلك كلّه لم يرد بعده وعيد ، وورد وعيد قبله ، قاله الطبري. وإنّما قيّده بالعدوان والظلم ليخرج أكل المال بوجه الحقّ ، وقتل النفس كذلك ، كقتل القاتل، وفي الحديث : «فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها».
والعدوان ـ بضمّ العين ـ مصدر بوزن كفران ، ويقال ـ بكسر العين ـ وهو التسلّط بشدّة ، فقد يكون بظلم غالبا ، ويكون بحقّ ، قال تعالى : (فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) [البقرة : ١٩٣] وعطف قوله : (وَظُلْماً) على (عُدْواناً) من عطف الخاصّ على العامّ.
و (سوف) حرف يدخل على المضارع فيمحّضه للزمن المستقبل ، وهو مرادف للسين على الأصحّ ، وقال بعض النحاة : (سوف) تدل على مستقبل بعيد وسمّاه : التسويف ، وليس في الاستعمال ما يشهد لهذا ، وقد تقدّم عند قوله : (وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) في هذه السورة [النساء : ١٠]. و (نصليه) نجعله صاليا أو محترقا ، وقد مضى فعل صلي أيضا ، ووجه نصب (نارا) هنالك ، والآية دلّت على كلّيتين من كليّات الشريعة: وهما حفظ الأموال ، وحفظ الأنفس ، من قسم المناسب الضروري.
(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (٣١))
اعتراض ناسب ذكره بعد ذكر ذنبين كبيرين : وهما قتل النفس ، وأكل المال بالباطل ، على عادة القرآن في التفنّن من أسلوب إلى أسلوب ، وفي انتهاز الفرص في إلقاء التشريع عقب المواعظ وعكسه.
وقد دلّت إضافة (كَبائِرَ) إلىما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) على أنّ المنهيات قسمان : كبائر ، ودونها ؛ وهي التي تسمّى الصغائر ، وصفا بطريق المقابلة ، وقد سمّيت هنا سيّئات. ووعد بأنّه يغفر السيّئات للذين يجتنبون كبائر المنهيات ، وقال في آية النجم [٣٢] (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) فسمّى الكبائر فواحش وسمّى مقابلها اللّمم ، فثبت بذلك أنّ المعاصي عند الله قسمان : معاص كبيرة فاحشة ، ومعاص دون ذلك يكثر