معاملاتهم فينشأ عنها التحاسد ، وهو أوّل ذنب عصي الله به ، إذ حسد إبليس آدم ، ثم ينشأ عن الحسد الغيظ والغضب فيفضي إلى أذى المحسود ، وقد قال تعالى : (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) [الفلق : ٥]. وكان سبب أوّل جريمة في الدنيا الحسد : إذ حسد أحد ابني آدم أخاه فقتله ، ثم إنّ تمنّي الأحوال المنهي عنها ينشأ في النفوس أوّل ما ينشأ خاطرا مجرّدا ، ثم يربو في النفس رويدا رويدا حتّى يصير ملكة ، فتدعو المرء إلى اجترام الجرائم ليشفي غلّته ، فلذلك نهوا عنه ليزجروا نفوسهم عند حدوث هاته التمنّيات بزاجر الدين والحكمة فلا يدعوها تربو في النفوس. وما نشأت الثورات والدعايات إلى ابتراز الأموال بعناوين مختلفة إلّا من تمنّي ما فضّل به الله بعض الناس على بعض ، أو إلّا أثر من آثار ما فضّل الله به بعض الناس على بعض.
وقوله : (بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) صالح لأن يكون مرادا به آحاد الناس ، ولأن يكون مرادا به أصنافهم.
وقوله : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا) الآية : إن أريد بذكر الرجال والنساء هنا قصد تعميم الناس مثل ما يذكر المشرق والمغرب ، والبر والبحر ، والنجد والغور ، فالنهي المتقدّم على عمومه. وهذه الجملة مسوقة مساق التعليل للنهي عن التمنّي قطعا لعذر المتمنّين ، وتأنيسا بالنهي ، ولذلك فصلت ؛ وإن أريد بالرجال والنساء كلّا من النوعين بخصوصه بمعنى أنّ الرجال يختصّون بما اكتسبوه ، والنساء يختصصن بما اكتسبن من الأموال ، فالنهي المتقدّم متعلّق بالتمنّي الذي يفضي إلى أكل أموال اليتامى والنساء ، أي ليس للأولياء أكل أموال مواليهم وولاياهم إذ لكلّ من هؤلاء ما اكتسب. وهذه الجملة علّة لجملة محذوفة دلّت هي عليها ، تقديرها : ولا تتمنّوا فتأكلوا أموال مواليكم.
والنصيب : الحظّ والمقدار ، وهو صادق على الحظ في الآخرة والحظّ في الدنيا ، وتقدّم آنفا.
والاكتساب : السعي للكسب ، وقد يستعار لحصول الشيء ولو بدون سعي وعلاج. و (من) للتبعيض أو للابتداء ، والمعنى يحتمل أن يكون استحقّ الرجال والنساء كلّ حظّه من الأجر والثواب المنجرّ له من عمله ، فلا فائدة في تمنّي فريق أن يعمل عمل فريق آخر ، لأنّ الثواب غير منحصر في عمل معيّن ، فإنّ وسائل الثواب كثيرة فلا يسوءكم النهي عن تمنّي ما فضّل الله به بعضكم على بعض. ويحتمل أنّ المعنى : استحقّ كلّ شخص ، سواء كان رجلا أم امرأة ، حظّه من منافع الدنيا المنجرّ له ممّا سعى إليه بجهده ، أو الذي هو