والجعل من قوله : (جَعَلْنا) هو الجعل التشريعي أي شرعنا لكلّ موالي لهم حقّ في ماله كما في قوله تعالى : (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) [الإسراء : ٣٣].
والموالي جمع مولى وهو محلّ الولي ، أي القرب ، وهو محلّ مجازي وقرب مجازي. والولاء اسم المصدر للولي المجازي.
وفي نظم الآية تقادير جديرة بالاعتبار ، وجامعة لمعان من التشريع :
الأوّل : ولكلّ تارك ، أي تارك مالا جعلنا موالي ، أي أهل ولاء له ، أي قرب ، أي ورثة. ويتعلّق (مِمَّا تَرَكَ) بما في موالي من معنى يلونه ، أي يرثونه ، ومن للتبعيض ، أي يرثون ممّا ترك. وما صدق (ما) الموصولة هو المال ، والصلة قرينة على كون المراد بالموالي الميراث ، وكون المضاف إليه (كلّ) هو الهالك أو التارك. (وَلِكُلٍ) متعلّق ب (جعلنا) ، قدّم على متعلّقه للاهتمام.
وقوله : (الْوالِدانِ) استئناف بياني بيّن به المراد في (موالي) ، ويصلح أن يبيّن به كلّ المقدّر له مضاف. تقديره : لكلّ تارك. وتبيين كلا اللفظين سواء في المعنى ، لأنّ التارك: والد أو قريب ، والموالي : والدون أو قرابة. وفي ذكر (الْوالِدانِ) غنية عن ذكر الأبناء لتلازمهما ، فإن كان الوالدان من الورثة فالهالك ولد وإلّا فالهالك والد. والتعريف في (الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) عوض عن مضاف إليه أي : والداهم وأقربوهم ، والمضاف إليه المحذوف يدلّ عليه الموالي ، وهذا التقدير يناسب أن يكون ناشئا عن قوله : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا) [النساء : ٣٢] ، أي ولكلّ من الصنفين جعلنا موالي يرثونه ، وهو الجعل الذي في آيات المواريث.
والتقدير الثاني : ولكلّ شيء ممّا تركه الوالدان والأقربون جعلنا موالي ، أي قوما يلونه بالإرث ، أي يرثونه ، أي يكون تراثا لهم ، فيكون المضاف إليه المحذوف اسما نكرة عامّا يبيّن نوعه المقام ، ويكون (مِمَّا تَرَكَ) بيانا لما في تنوين (كلّ) من الإبهام ، ويكون (وَالْأَقْرَبُونَ) فاعلا (لترك).
وهذا التقدير يناسب أن يكون ناشئا عن قوله : (ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) [النساء : ٣٢] أي في الأموال ، أي ولكلّ من الذين فضّلنا بعضهم على بعض جعلنا موالي يؤول إليهم المال ، فلا تتمنّوا ما ليس لكم فيه حقّ في حياة أصحابه ، ولا ما جعلناه للموالي بعد موت أصحابه.