للأزواج أن يتولّوه ، وهم حينئذ يشفون غضبهم ، لكان ذلك مظنّة تجاوز الحدّ ، إذ قلّ من يعاقب على قدر الذنب ، على أن أصل قواعد الشريعة لا تسمح بأن يقضي أحد لنفسه لو لا الضرورة. بيد أنّ الجمهور قيّدوا ذلك بالسلامة من الإضرار ، وبصدوره ممّن لا يعدّ الضرب بينهم إهانة وإضرارا. فنقول : يجوز لولاة الأمور إذا علموا أنّ الأزواج لا يحسنون وضع العقوبات الشرعية مواضعها ، ولا الوقوف عند حدودها أن يضربوا على أيديهم استعمال هذه العقوبة ، ويعلنوا لهم أنّ من ضرب امرأته عوقب ، كيلا يتفاقم أمر الإضرار بين الأزواج ، لا سيما عند ضعف الوازع.
(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (٣٥))
عطف على جملة (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ) [النساء : ٣٤] وهذا حكم أحوال أخرى تعرض بين الزوجين ، وهي أحوال الشقاق من مخاصمة ومغاضبة وعصيان ، ونحو ذلك من أسباب الشقاق ، أي دون نشوز من المرأة.
والمخاطب هنا ولاة الأمور لا محالة ، وذلك يرجّح أن يكونوا هم المخاطبين في الآية التي قبلها.
والشّقاق مصدر كالمشاقّة ، وهو مشتقّ من الشّق ـ بكسر الشين ـ أي الناحية. لأنّ كلّ واحد يصير في ناحية ، على طريقة التخييل ، كما قالوا في اشتقاق العدوّ : إنّه مشتقّ من عدوة الوادي. وعندي أنّه مشتقّ من الشّقّ ـ بفتح الشين ـ وهو الصدع والتفرّع ، ومنه قولهم : شقّ عصا الطاعة ، والخلاف شقاق. وتقدّم في سورة البقرة [١٣٧] عند قوله تعالى : (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ) وأضاف الشقاق إلى (بين). إمّا لإخراج لفظ (بين) عن الظرفية إلى معنى البعد الذي يتباعده الشيئان ، أي شقاق تباعد ، أي تجاف ، وإمّا على وجه التوسّع ، كقوله «بل مكر الليل» وقول الشاعر :
يا سارق الليلة أهل الدار
ومن يقول بوقوع الإضافة على تقدير (في) يجعل هذا شاهدا له كقوله : (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) [الكهف : ٧٨] ، والعرب يتوسّعون في هذا الظرف كثيرا ، وفي القرآن من ذلك شيء كثير ، ومنه قوله : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) [الأنعام : ٩٤] في قراءة الرفع.
وضمير (بَيْنِهِما) عائد إلى الزوجين المفهومين من سياق الكلام ابتداء من قوله :