وقولهم في المثل : أبوها وكيّالها. والسبيل : الطريق السابلة ، فابن السبيل هو الذي لازم الطريق سائرا ، أي مسافرا ، فإذا دخل القبيلة فهو ليس من أبنائها ، فعرّفوه بأنه ابن الطريق ، رمى به الطريق إليهم ، فكأنّه ولده. والوصاية به لأنّه ضعيف الحيلة ، قليل النصير ، إذ لا يهتدي إلى أحوال قوم غير قومه ، وبلد غير بلده.
وكذلك (ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) لأنّ العبيد في ضعف الرقّ والحاجة وانقطاع سبل الخلاص من سادتهم ، فلذلك كانوا أحقّاء بالوصاية.
وجملة : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً) تذييل لجملة الأمر بالإحسان إلى من سمّاهم بذمّ موانع الإحسان إليهم الغالبة على البشر. والاختيال : التكبّر ، افتعال مشتقّ من الخيلاء ، يقال : خال الرجل خولا وخالا. والفخور : الشديد الفخر بما فعل ، وكلا الوصفين منشأ للغلظة والجفاء ، فهما ينافيان الإحسان المأمور به ، لأنّ المراد الإحسان في المعاملة وترك الترفّع على من يظنّ به سبب يمنعه من الانتقام.
ومعنى نفي محبّة الله تعالى نفي رضاه وتقريبه عمّن هذا وصفه ، وهذا تعريض بأخلاق أهل الشرك ، لما عرفوا به من الغلطة والجفاء ، فهو في معنى التحذير من بقايا الأخلاق التي كانوا عليها.
(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (٣٧) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (٣٨) وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً (٣٩))
يجوز أن يكون استئنافا ابتدائيا ، جيء به عقب الأمر بالإحسان لمن جرى ذكرهم في الجملة السابقة ، ومناسبة إرداف التحريض على الإحسان بالتحذير من ضدّه وما يشبه ضدّه من كلّ إحسان غير صالح ؛ فقوبل الخلق الذي دعاهم الله إليه بأخلاق أهل الكفر وحزب الشيطان كما دلّ عليه ما في خلال هذه الجملة من ذكر الكافرين الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر.
فيكون قوله : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) مبتدأ ، وحذف خبره ودلّ عليه قوله : (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً). وقصد العدول عن العطف : لتكون مستقلّة ، ولما فيه من فائدة العموم ، وفائدة الإعلام بأنّ هؤلاء من الكافرين. فالتقدير : الذين يبخلون أعتدنا لهم عذابا