ـ (حَسَنَةً) على الخبرية ل (تَكُ) على اعتبار كان ناقصة ، واسم كان المستتر عائد إلى مثقال ذرّة ، وجيء بفعل الكون بصيغة فعل المؤنث مراعاة لفظ ذرّة الذي أضيف إليه مثقال ، لأنّ لفظ مثقال مبهم لا يميّزه إلّا لفظ ذرّة فكان كالمستغنى عنه.
والمضاعفة إضافة الضّعف ـ بكسر الصاد ـ أي المثل ، يقال : ضاعف وضعّف وأضعف ، وهي بمعنى واحد على التحقيق عند أئمّة اللغة ، مثل أبي علي الفارسي. وقال أبو عبيدة ضاعف يقتضي أكثر من ضعف واحد وضعّف يقتضي ضعفين. وردّ بقوله تعالى : (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) [الأحزاب : ٣٠]. وأمّا دلالة إحدى الصيغ الثلاث على مقدار التضعيف فيؤخذ من القرائن لحكمة الصيغة. وقرأ الجمهور : (يُضاعِفْها) ، وقرأه ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو جعفر : (يُضاعِفْها) ـ بدون ألف بعد العين وبتشديد العين ـ.
والأجر العظيم ما يزاد على الضعف ، ولذلك أضافه الله تعالى إلى ضمير الجلالة ، فقال : (مِنْ لَدُنْهُ) إضافة تشريف. وسمّاه أجرا لكونه جزاء على العمل الصالح ، وقد روي أنّ هذا نزل في ثواب الهجرة.
(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً (٤٢))
الفاء يجوز أن تكون فاء فصيحة تدلّ على شرط مقدّر نشأ عن الوعيد في قوله : (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) [النساء : ٣٧] وقوله : (فَساءَ قَرِيناً) [النساء : ٣٨] ؛ وعن التوبيخ في قوله : (وَما ذا عَلَيْهِمْ) [النساء : ٣٩] وعن الوعد في قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) [النساء : ٤٠] الآية ، والتقدير : إذا أيقنت بذلك فكيف حال كلّ أولئك إذا جاء الشهداء وظهر موجب الشهادة على العمل الصالح وعلى العمل السيّئ ، وعلى هذا فليس ضمير (بك) إضمارا في مقام الإظهار ، ويجوز أن تكون الفاء للتفريع على قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها)[النساء : ٤٠] ، أي يتفرّع عن ذلك سؤال عن حال الناس إذا جئنا من كلّ أمة بشهيد ؛ فالناس بين مستبشر ومتحسّر ، وعلى هذا فضمير (بِكَ) واقع موقع الاسم الظاهر لأنّ مقتضى هذا أن يكون الكلام مسوقا لجميع الأمّة ، فيقتضي أن يقال : وجئنا بالرّسول عليهم شهيدا ، فعدل إلى الخطاب تشريفا للرسول صلىاللهعليهوسلم بعزّ الحضور والإقبال عليه.