والمعنى لا تصلّوا في حال الجنابة حتّى تغتسلوا إلخ. والمقصود من قوله : (وَلا جُنُباً) التمهيد للتخلّص إلى شرع التّيمّم ، فإنّ حكم غسل الجنابة مقرّر من قبل ، فذكره هنا إدماج. والتيمّم شرع في غزوة المريسيع على الصحيح ، وكانت سنة ستّ أو سنة خمس على الأصحّ. وظاهر حديث مالك عن عائشة أنّ الآية التي نزلت في غزوة المريسيع هي آية التيمّم ، فيظهر أن تكون هذه الآية التي في سورة النساء لأنّها لم يذكر منها إلّا التيمّم. ووقع في حديث عمرو عن عائشة أنّ الآية التي نزلت هي قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) التي في سورة المائدة [٦] ، أخرجه البخاري وقد جزم القرطبي بأنّ الآية التي نزلت في غزوة المريسيع هي آية سورة النساء ، قال : لأنّ آية سورة المائدة تسمّى آية الوضوء. وكذلك الواحدي أورد في أسباب النزول حديث عائشة في سبب نزول آية سورة النساء. وقال ابن العربي «هذه معضلة ما وجدت لدائها من دواء لا نعلم أيّ الآيتين عنت عائشة». وسورة المائدة قيل : نزلت قبل سورة النساء ، وقيل بعدها ، والخطب سهل ، والأصحّ أنّ سورة النساء نزلت قبل سورة المائدة.
والاستثناء في قوله : (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) استثناء من عموم الأحوال المستفاد من وقوع (جُنُباً) ، وهو حال نكرة ، في سياق النفي. وعابر السبيل ، في كلام العرب : المسافر حين سيره في سفره ، مشتقّ من العبر وهو القطع والاجتياز ، يقال : عبر النهر وعبر الطريق. ومن العلماء من فسّر (عابِرِي سَبِيلٍ) بمارّين في طريق ، وقال : المراد منه طريق المسجد ، بناء على تفسير الصلاة في قوله : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ) بالمسجد ، وجعلوا الآية رخصة في مرور الجنب في المسجد إذا كان قصده المرور لا المكث ، قاله الذين تأوّلوا الصلاة بالمسجد. ونسب أيضا إلى أنس بن مالك ، وأبي عبيدة ، وابن المسيّب ، والضحّاك ، وعطاء ، ومجاهد ، ومسروق ، والنخعي ، وزيد بن أسلم ، وعمرو بن دينار ، وعكرمة ، وابن شهاب ، وقتادة ، قالوا : كان ذلك أيام كان لكثير من المهاجرين والأنصار أبواب دور في المسجد ، ثم نسخ ذلك بعد سدّ الأبواب كلّها إلّا خوخة أبي بكر ، فكان المرور كذلك رخصة للنبي صلىاللهعليهوسلم ولأبي بكر ، وفي رواية ولعلي ، وقيل : أبقيت خوخة بنت عليّ في المسجد ، ولم يصحّ.
وفائدة هذا الاستثناء ـ عند من فسّر (تَقْرَبُوا الصَّلاةَ) بدخول المسجد ، وفسّر (عابِرِي سَبِيلٍ) بالمارّين في المسجد ـ ظاهرة ، وهو استثناء حقيقي من عموم أحوال الجنب باستثناء عابري السبيل. وعابر السبيل المأخوذ من الاستثناء مطلق ، وهو عند