واليدين ، وأسقط مسح ما سواهما من أعضاء الوضوء بله أعضاء الغسل ، إذ ليس المقصود منه تطهيرا حسيّا ، ولا تجديد النشاط ، ولكن مجرّد استحضار استكمال الحالة للصلاة ، وقد ظنّ بعض الصحابة أنّ هذا تيمّم بدل عن الوضوء ، وأنّ التيمّم البدل عن الغسل لا يجزئ منه إلّا مسح سائر الجسد بالصعيد ، فعلّمه النبي صلىاللهعليهوسلم أن التيمّم للجنابة مثل التيمّم للوضوء ، فقد ثبت في «الصحيح» عن عمّار بن ياسر ، قال : كنت في سفر فأجنبت فتمعّكت في التراب (أي تمرّغت) وصلّيت فأتيت النبي فذكرت ذلك فقال «يكفيك الوجه والكفان» وقد تقدّم آنفا.
والباء للتأكيد مثل : «وهزّي إليك بجذع النخلة» وقول النابغة ـ يرثي النعمان بن المنذر ـ :
لك الخير إن وارت بك الأرض واحدا |
|
وأصبح جدّ الناس يظلع عاثرا |
أراد إن وارتك الأرض مواراة الدفن. والمعنى : فامسحوا وجوهكم وأيديكم ، وقد ذكرت هذه الباء مع الممسوح في الوضوء ومع التيمّم للدلالة على تمكّن المسح لئلا تزيد رخصة على رخصة.
وقوله : (إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً) تذييل لحكم الرخصة إذ عفا عن المسلمين فلم يكلّفهم الغسل أو الوضوء عند المرض ، ولا ترقّب وجود الماء عند عدمه ، حتّى تكثر عليهم الصلوات فيعسر عليهم القضاء.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤) وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً (٤٥))
استئناف كلام راجع إلى مهيع الآيات التي سبقت من قوله : (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) [النساء : ٣٦] فإنّه بعد نذارة المشركين وجّه الإنذار لأهل الكتاب ، ووقعت آيات تحريم الخمر وقت الصلاة ، وآيات مشروعية الطهارة لها فيما بينهما ، وفيه مناسبة للأمر بترك الخمر في أوقات الصلوات والأمر بالطهارة ، لأنّ ذلك من الهدى الذي لم يسبق لليهود نظيره ، فهم يحسدون المسلمين عليه ، لأنّهم حرموا من مثله وفرطوا في هدى عظيم ، وأرادوا إضلال المسلمين عداء منهم.
وجملة (أَلَمْ تَرَ) ـ الى ـ (الْكِتابِ) جملة يقصد منها التعجيب ، والاستفهام فيها تقريري عن نفي فعل لا يودّ المخاطب انتفاءه عنه ، ليكون ذلك محرّضا على الإقرار بأنه