إجلاؤهم من بلاد العرب إلى الشام.
والفاء على هذا الوجه للتعقيب والتسبّب معا ، والكلام وعيد ، والوعيد حاصل ، فقد رماهم الله بالذلّ ، ثم أجلاهم النبي صلىاللهعليهوسلم وأجلاهم عمر بن الخطاب إلى أذرعات.
وقوله : (أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ) أريد باللعن هنا الخزي ، فهو غير الطمس ، فإن كان الطمس مرادا به المسخ فاللعن مراد به الذلّ ، وإن كان الطمس مرادا به الذلّ فاللعن مراد به المسخ.
و (أَصْحابَ السَّبْتِ) هم الذين في قوله : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) وقد تقدّم في سورة البقرة.
(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (٤٨))
يجوز أن تكون هذه الجملة متعلقة بما قبلها من تهديد اليهود بعقاب في الدنيا ، فالكلام مسوق لترغيب اليهود في الإسلام ، وإعلامهم بأنّهم بحيث يتجاوز الله عنهم عند حصول إيمانهم ، ولو كان عذاب الطمس نازلا عليهم ، فالمراد بالغفران التجاوز في الدنيا عن المؤاخذة لهم بعظم كفرهم وذنوبهم ، أي يرفع العذاب عنهم. وتتضمّن الآية تهديدا للمشركين بعذاب الدنيا يحلّ بهم فلا ينفعهم الإيمان بعد حلول العذاب ، كما قال تعالى : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) [يونس : ٩٨] الآية. وعلى هذا الوجه يكون حرف (إِنَّ) في موقع التعليل والتسبّب ، أي آمنوا بالقرآن من قبل أن ينزل بكم العذاب ، لأنّ الله يغفر ما دون الإشراك به ، كقوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) [الأنفال : ٣٣] ، أي ليعذّبهم عذاب الدنيا ، ثم قال : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) [الأنفال : ٣٤] ، أي في الدنيا ، وهو عذاب الجوع والسيف. وقوله : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ* يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) [الدخان : ١٠ ، ١١] ، أي دخان عام المجاعة في قريش. ثم قال : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ* يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) [الدخان : ١٥ ، ١٦] أي بطشة يوم بدر ؛ أو يكون المراد بالغفران التسامح ، فإنّ الإسلام قبل من أهل الكتابين الدخول تحت ذمّة الإسلام دون الدخول في دين الإسلام ، وذلك حكم الجزية ، ولم يرض من المشركين إلّا بالإيمان دون الجزية ، لقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ـ إلى قوله ـ (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا