أصنامهم ، كما سيأتي في قوله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) في هذه السورة [النساء : ٦٠].
والآية تشير إلى ما وقع من بعض اليهود ، وفيهم كعب بن الأشرف ، وحيي بن أخطب ، فإنّهم بعد وقعة أحد طمعوا أن يسعوا في استئصال المسلمين ، فخرجوا إلى مكّة ليحالفوا المشركين على قتال المسلمين ، فنزل كعب عند أبي سفيان ، ونزل بقيّتهم في دور قريش ، فقال لهم المشركون (أنتم أهل كتاب ولعلّكم أن تكونوا أدنى إلى محمّد وأتباعه منكم إلينا فلا نأمن مكركم) فقالوا لهم (إنّ عبادة الأصنام أرضى عند الله ممّا يدعو إليه محمد وأنتم أهدى سبيلا) فقال لهم المشركون (فاسجدوا لآلهتنا حتّى نطمئنّ إليكم) ففعلوا ، ونزلت هذه الآية إعلاما من الله لرسوله بما بيته اليهود وأهل مكة.
واللام في قوله (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) لام العلّة ، أي يقولون لأجل الذين كفروا وليس لام تعدية فعل القول ، وأريد بهم مشركو مكة وذلك اصطلاح القرآن في إطلاق صفة الكفر أنّه الشرك ، والإشارة بقوله : (هؤُلاءِ أَهْدى) إلى الذين كفروا ، وهو حكاية للقول بمعناه ، لأنّهم إنّما قالوا : «أنتم أهدى من محمّد وأصحابه» ، أو قال بعض اليهود لبعض في شأن أهل مكة (هؤُلاءِ أَهْدى) ، أي حين تناجوا وزوّروا ما سيقولونه ، وكذلك قوله (مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) حكاية لقولهم بالمعنى نداء على غلطهم ، لأنّهم إنّما قالوا : «هؤلاء أهدى من محمّد وأتباعه» وإذ كان محمد وأتباعه مؤمنين فقد لزم من قولهم : إنّ المشركين أهدى من المؤمنين. وهذا محلّ التعجيب.
وعقّب التعجيب بقوله (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ). وموقع اسم الإشارة هنا في نهاية الرشاقة ، لأنّ من بلغ من وصف حاله هذا المبلغ صار كالمشاهد ، فناسب بعد قوله (أَلَمْ تَرَ) أن يشار إلى هذا الفريق المدّعى أنه مرئيّ ، فيقال : (أولئك). وفي اسم الإشارة تنبيه على أنّ المشار إليهم جديرون بما سيذكر من الحكم لأجل ما تقدّم من أحوالهم.
والصلة التي في قوله (الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) ليس معلوما للمخاطبين اتّصاف المخبر عنهم بها اتّصاف من اشتهر بها ؛ فالمقصود أنّ هؤلاء هم الذين إن سمعتم بقوم لعنهم الله فهم هم.
ويجوز أن يكون المسلمون قد علموا أنّ اليهود ملعونون ، فالمقصود من الصلة هو ما عطف عليها بقوله (وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً). والموصول على كلا الاحتمالين فيه إيماء إلى تعليل الإخبار الضمني عنهم : بأنّهم لا نصير لهم ، لأنّهم لعنهم الله ، والذي