بخلاف العدل فإنّما يؤمر به ولاة الحكم بين الناس ، وليس كلّ أحد أهلا لتولّي ذلك. فتلك نكتة قوله : (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ). قال الفخر : قوله : (وَإِذا حَكَمْتُمْ) هو كالتصريح بأنّه ليس لجميع الناس أن يشرّعوا في الحكم بل ذلك لبعضهم ، فالآية مجملة في أنّه بأي طريق يصير حاكما ولمّا دلّت الدلائل على أنّه لا بد للأمّة من إمام وأنّه ينصب القضاة والولاة صارت تلك الدلائل كالبيان لهذه الآية.
وجملة (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) واقعة موقع التحريض على امتثال الأمر ، فكانت بمنزلة التعليل ، وأغنت (إنّ) في صدر الجملة عن ذكر فاء التعقيب ، كما هو الشأن إذا جاءت (إنّ) للاهتمام بالخبر دون التأكيد.
و (نعمّا) أصله (نعم ما) ركّبت (نعم) مع (ما) بعد طرح حركة الميم الأولى وتنزيلها منزلة الكلمة الواحدة ، وأدغم الميمان وحرّكت العين الساكنة بالكسر للتخلّص من التقاء الساكنين.
و (ما) جوّز النحاة أن تكون اسم موصول ، أو نكرة موصوفة ، أو نكرة تامّة والجملة التي بعد (ما) تجري على ما يناسب معنى (ما) ، وقيل : إنّ (ما) زائدة كافّة (نعم) عن العمل.
والوعظ : التذكير والنصح ، وقد يكون فيه زجر وتخويف.
وجملة (إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً) أي عليما بما تفعلون وما تقولون ، وهذه بشارة ونذارة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٥٩))
لمّا أمر الله الأمّة بالحكم بالعدل عقّب ذلك بخطابهم بالأمر بطاعة الحكّام ولاة أمورهم ؛ لأنّ الطاعة لهم هي مظهر نفوذ العدل الذي يحكم به حكّامهم ، فطاعة الرسول تشتمل على احترام العدل المشرّع لهم وعلى تنفيذه ، وطاعة ولاة الأمور تنفيذ للعدل ، وأشار بهذا التعقيب إلى أنّ الطاعة المأمور بها هي الطاعة في المعروف ، ولهذا قال عليّ : «حقّ على الإمام أن يحكم بالعدل ويؤدّي الأمانة ، فإذا فعل ذلك فحقّ على الرعية أن يسمعوا ويطيعوا». أمر الله بطاعة الله ورسوله وذلك بمعنى طاعة الشريعة ، فإنّ الله هو منزّل