المسلم الصادق الإقدام عند اتّضاح المصالح ، والتأمّل عند التباس الأمر والصدر بعد عرض المشكلات على أصول الشريعة.
ومعنى (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ) مع أنّهم خوطبوا ب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) : أي إن كنتم تؤمنون حقّا ، وتلازمون واجبات المؤمن ، ولذلك قال تعالى : (ذلِكَ خَيْرٌ) فجيء باسم الإشارة للتنويه ، وهي إشارة إلى الردّ المأخوذ من (فَرُدُّوهُ). و (خير) اسم لما فيه نفع ، وهو ضدّ الشرّ ، وهو اسم تفضيل مسلوب المفاضلة ، والمراد كون الخير وقوّة الحسن. والتأويل : مصدر أوّل الشيء إذا أرجعه ، مشتقّ من آل يؤول إذا رجع ، وهو هنا بمعنى أحسن ردّا وصرفا. أخرج البخاري عن ابن عباس قال : نزل قوله : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عديّ إذ بعثه النبي في سرية. وأخرج في «كتاب المغازي» عن علي قال : بعث النبي سرية فاستعمل عليها رجلا من الأنصار ، وأمرهم أن يطيعوه ، فغضب ، فقال : «أليس أمركم النبي أن تطيعوني» قالوا : «بلى» قال : «فأجمعوا حطبا» فجمعوا ، قال : «أوقدوا نارا» ، فأوقدوها ، فقال «ادخلوها» ، فهمّوا ، وجعل بعضهم يمسك بعضا ، ويقولون : «فررنا إلى النبي من النار» ، فأزالوا حتّى خمدت النار فسكن غضبه فبلغ ذلك النبي فقال : «لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة ، الطاعة في المعروف».
فقول ابن عبّاس : نزلت في عبد الله بن حذافة ، يحتمل أنّه أراد نزلت حين تعيينه أميرا على السرية وأنّ الأمر الذي فيها هو الذي أوجب تردّد أهل السرية في الدخول في النار ، ويحتمل أنّها نزلت بعد ما بلغ خبرهم رسول الله ، فيكون المقصود منها هو قوله : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ) إلخ ، ويكون ابتداؤها بالأمر بالطاعة لئلّا يظنّ أنّ ما فعله ذلك الأمير يبطل الأمر بالطاعة.
[٦٠ ، ٦١] (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (٦٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (٦١))
استئناف ابتدائي للتعجيب من حال هؤلاء ، ناسب الانتقال إليه من مضمون جملة : (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [النساء : ٥٩]. والموصول مراد به قوم معروفون وهم فريق من