أن يدلّ على طلب حضور لنفع. قال ابن عطية في تفسير في قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) في سورة المائدة [١٠٤] : «تعال نداء ببرّ ، هذا أصله ، ثم استعمل حيث البرّ وحيث ضدّه». وقال في تفسير آية النساء : «وهي لفظة مأخوذة من العلوّ لمّا استعملت في دعاء الإنسان وجلبه صيغت من العلوّ تحسينا للأدب كما تقول : ارتفع إلى الحقّ ونحوه». وأعلم أنّ تعال لمّا كانت فعلا جامدا لم يصحّ أن يصاغ منه غير الأمر ، فلا تقول : تعاليت بمعنى حضرت ، ولا تنهى عنه فتقول : لا تتعال. قال في «الصحاح» «ولا يجوز أن يقال منه تعاليت ولا ينهى عنه». وفي «الصحاح» عقبه «وتقول : قد تعاليت وإلى أي شيء أتعالى» يعني أنّه يتصرّف في خصوص جواب الطلب لمن قال لك تعال ، وتبعه في هذا صاحب «اللسان» وأغفل العبارة التي قبله ، وأمّا صاحب «تاج العروس» فربما أخطأ إذ قال : «قال الجوهري : ولا يجوز أن يقال منه : تعاليت وإلى أي شيء أتعالى» ولعلّ النسخة قد وقع فيها نقص أو خطأ من الناسخ لظنّه في العبارة تكريرا ، وإنّما نبّهت على هذا لئلّا تقع في أخطاء وحيرة.
و (تعالوا) مستعمل هنا مجازا ، إذ ليس ثمّة حضور وإتيان ، فهو مجاز في تحكيم كتاب الله وتحكيم الرسول في حضوره ، ولذلك قال : (إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ) إذ لا يحكم الله إلّا بواسطة كلامه ، وأمّا تحكيم الرسول فأريد به تحكيم ذاته لأنّ القوم المخبر عنهم كانوا من المنافقين وهم بالمدينة في حياة الرسول صلىاللهعليهوسلم و (صدودا) مفعول مطلق للتوكيد ، ولقصد التوصّل بتنوين (صُدُوداً) لإفادة أنّه تنوين تعظيم.
[٦٢ ، ٦٣] (فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (٦٢) أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (٦٣))
تفريع على قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ) [النساء : ٦١] الآية ، لأنّ الصدود عن ذلك يوجب غضب الله عليهم ، فيوشك أن يصيبهم الله بمصيبة من غير فعل أحد ، مثل انكشاف حالهم للمؤمنين فيعرفوا بالكفر فيصبحوا مهدّدين ، أو مصيبة من أمر الله رسوله والمؤمنين بأن يظهروا لهم العداوة وأن يقتلوهم لنفاقهم فيجيئوا يعتذرون بأنّهم ما أرادوا بالتحاكم إلى أهل الطاغوت إلّا قصد الإحسان إليهم وتأليفهم إلى الإيمان والتوفيق بينهم وبين المؤمنين. وهذا وعيد لهم لأنّ (إِذا) للمستقبل ، فالفعلان بعدها : وهما (أَصابَتْهُمْ) و (جاؤُكَ) مستقبلان ، وهو مثل قوله : «لئن لم ينته المنافقون والذين