أي جانبه ، وهو أبعد عن المعنى الحقيقي من الأوّل لأنّه مبني على التشبيه.
والوعظ : الأمر بفعل الخير وترك الشرّ بطريقة فيها تخويف وترقيق يحملان على الامتثال ، والاسم منه الموعظة ، وتقدّم آنفا عند قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) [النساء : ٥٨]. فهذا الإعراض إعراض صفح أو إعراض عدم الحزن من صدودهم عنك ، أي لا تهتمّ بصدودهم ، فإنّ الله مجازيهم ، بدليل قوله : (وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) ، وذلك إبلاغ لهم في المعذرة ، ورجاء لصلاح حالهم ،. شأن الناصح الساعي بكلّ وسيلة إلى الإرشاد والهدى.
والبليغ فعيل بمعنى بالغ بلوغا شديدا بقوّة ، أي : بالغا إلى نفوسهم متغلغلا فيها. وقوله : (فِي أَنْفُسِهِمْ) يجوز أن يتعلّق بقوله بليغا ، وإنّما قدّم المجرور للاهتمام بإصلاح أنفسهم مع الرعاية على الفاصلة ، ويجوز أن يتعلق بفعل (قُلْ لَهُمْ) ، أي قل لهم قولا في شأن أنفسهم ، فظرفية (في) ظرفية مجازية ، شبّهت أنفسهم بظرف للقول.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً (٦٤))
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ).
جملة معترضة في خلال الخبر عن قضية المنافق الذي تحاكم إلى الطاغوت. وهو رجوع إلى الغرض الأوّل ، وهو الإنحاء عليهم في إعراضهم عن التحاكم إلى الرسول ، وأنّ إعراضهم ذلك مؤذن بنفاقهم : ببيان أنّ معنى الإيمان الرضا بحكم الرسول إذ ما جاء الرسول إلّا ليطاع فكيف يعرض عنه.
وقوله : (بِإِذْنِ اللهِ) في موضع الحال من الضمير في (يطاع) أي متلبّسا في ذلك بإذن الله أي بأمره ووصايته ، إذ لا تظهر فائدة الشرائع بدون امتثالها. فمن الرسل من أطيع ، ومنهم من عصي تارة أو دائما ، وقد عصي موسى في مواقع ، وعصى عيسى في معظم أمره ، ولم يعص محمد من المؤمنين به المحقّين إلّا بتأوّل ، مثل ما وقع في يوم أحد إذ قال الله تعالى : (وَعَصَيْتُمْ) [آل عمران : ١٥٢] ، وإنّما هو عصيان بتأوّل ، ولكنّه اعتبر عصيانا لكونه في الواقع مخالفة لأمر الرسول ، ولذلك كان أكمل مظاهر الرسالة تأييد الرسول بالسلطان ، وكون السلطان في شخصه لكيلا يكون في حاجة إلى غيره ، وإنّما تمّ هذا المظهر في رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ولذلك وصف بأنّه نبيء الملاحم ، وقد ابتدأت بوارق