ذلك في رسالة موسى عليهالسلام ، ولم تستكمل ، وكملت لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، قال تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) [الحديد : ٢٥] ولا أحسبه أراد برسله إلّا رسوله محمدا ـ عليه الصلاة والسلام ـ وكان هو المراد من الجمع لأنّه الأكمل فيهم.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (٦٤).
عطف على جملة (فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ)[النساء : ٦٢] توبيخا لهم على تحاكمهم إذ كان ذلك عصيانا على عصيان ، فإنّهم ما كفاهم أن أعرضوا عن تحكيم الرسول حتّى زادوا فصدّوا عمّن قال لهم : تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول. فلو استفاقوا حينئذ من غلوائهم لعلموا أنّ إرادتهم أن يتحاكموا إلى الكفار والكهنة جريمة يجب الاستغفار منها ولكنّهم أصرّوا واستكبروا. وفي ذكر (لو) وجعل (لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) جوابا لها إشارة إلى أنّهم لمّا لم يفعلوا فقد حرموا الغفران.
وكان فعل هذا المنافق ظلما لنفسه. لأنّه أقحمها في معصية الله ومعصية الرسول ، فجرّ لها عقاب الآخرة وعرضها لمصائب الانتقام في العاجلة.
(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٦٥))
تفريع عن قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ) [النساء : ٦٠] وما بعده إذ تضمّن ذلك أنّهم فعلوا ما فعلوا وهم يزعمون أنّهم مؤمنون ، فكان الزعم إشارة إلى انتفاء إيمانهم ، ثمّ أردف بما هو أصرح وهو أن أفعالهم تنافي كونهم مؤمنين بقوله : (لا يُؤْمِنُونَ) ، وأكّده بالقسم وبالتوكيد اللفظي.
وأصل الكلام : فو ربّك لا يؤمنون ، والعرب تأتي بحرف النفي قبل القسم إذا كان جواب القسم منفيا للتعجيل بإفادة أنّ ما بعد حرف العطف قسم على النفي لما تضمّنته الجملة المعطوف عليها ، فتقديم النفي للاهتمام بالنفي ، كقول قيس بن عاصم :
فلا والله أشربها صحيحا |
|
ولا أشفى بها أبدا سقيما |