الآية ، لإفادة أنّ الله يجازي على كلّ عمل بما يناسبه من حسن أو سوء.
والمقيت الحافظ ، والرقيب ، والشاهد ، والمقتدر. وأصله عند أبي عبيدة الحافظ. وهو اسم فاعل من أقات إذا أعطى القوت ، فوزنه مفعل وعينه واو. واستعمل مجازا في معاني الحفظ والشهادة بعلاقة اللزوم ، لأنّ من يقيت أحدا فقد حفظه من الخصاصة أو من الهلاك ، وهو هنا مستعمل في معنى الاطلاع ، أو مضمّن معناه ، كما ينبئ عنه تعديته بحرف (على). ومن أسماء الله تعالى المقيت ، وفسّره الغزالي بموصل الأقوات. فيؤول إلى معنى الرازق ، إلّا أنّه أخصّ ، وبمعنى المستولي على الشيء القادر عليه ، وعليه يدلّ قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) فيكون راجعا إلى القدرة والعلم.
(وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (٨٦))
عطف على جملة (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً) [النساء : ٨٥] باعتبار ما قصد من الجملة المعطوفة عليها ، وهو الترغيب في الشفاعة الحسنة والتحذير من الشفاعة السيّئة ، وذلك يتضمّن الترغيب في قبول الشفاعة الحسنة وردّ الشفاعة السيّئة. وإذ قد كان من شأن الشفيع أن يدخل على المستشفع إليه بالسلام استئناسا له لقبول الشفاعة ، فالمناسبة في هذا العطف هي أنّ الشفاعة تقتضي حضور الشفيع عند المشفوع إليه ، وأنّ صفة تلقّي المشفوع إليه للشفيع تؤذن بمقدار استعداده لقبول الشفاعة ، وأنّ أول بوادر اللقاء هو السلام وردّه ، فعلّم الله المسلمين أدب القبول واللقاء في الشفاعة وغيرها ـ وقد كان للشفاعات عندهم شأن عظيم. وفي الحديث : مرّ رجل فقال رسول الله : ما ذا تقولون فيه؟ قالوا : هذا جدير إن شفع أن يشفّع ... الحديث ـ حتى إذا قبل المستشفع إليه الشفاعة كان قد طيّب خاطر الشفيع ، وإذا لم يقبل كان في حسن التحية مرضاة له على الجملة. وهذا دأب القرآن في انتهاز فرص الإرشاد والتأديب.
وبهذا البيان تنجلي عنك الحيرة التي عرضت في توجيه انتظام هذه الآية مع سابقتها ، وتستغني عن الالتجاء إلى المناسبات الضعيفة التي صاروا إليها.
وقد دلّ قوله : (فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها) على الأمر بردّ السلام ، ووجوب الردّ لأنّ أصل صيغة الأمر أن يكون للوجوب على مقتضى مذهب الجمهور في محمل صيغة الأمر ،