لأنّ تعدّد الإماء يفضي إلى كثرة العيال في النفقة عليهنّ وعلى ما يتناسل منهنّ ، ولذلك ردّ جماعة على الشافعي هذا الوجه بين مفرط ومقتصد.
وقد أغلظ في الردّ أبو بكر الجصّاص في أحكامه حتّى زعم أنّ هذا غلط في اللغة ، اشتبه به عال يعيل بعال يعول. واقتصد ابن العربي في ردّ هذا القول في كتاب الأحكام. وانتصر صاحب «الكشاف» للشافعي ، وأورد عليهم أنّ ذلك لا يلاقي قوله تعالى : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) فإن تعدّد الجواري مثل تعدّد الحرائر فلا مفرّ من الإعالة على هذا التفسير. وأجيب عنه بجواب فيه تكلّف.
وحكم هذه الآية ممّا أشار إليه قوله : (وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً)[النساء : ١].
(وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً(٤))
جانبان مستضعفان في الجاهلية : اليتيم ، والمرأة. وحقّان مغبون فيهما أصحابهما : مال الأيتام ، ومال النساء ، فلذلك حرسهما القرآن أشدّ الحراسة فابتدأ بالوصاية بحق مال اليتيم ، وثنّى بالوصاية بحقّ المرأة في مال ينجرّ إليها لا محالة ، وكان توسّط حكم النكاح بين الوصايتين أحسن مناسبة تهيّئ لعطف هذا الكلام.
فقوله : (وَآتُوا النِّساءَ) عطف على قوله : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ)[النساء:٢] والقول في معنى الإيتاء فيه سواء. وزاده اتّصالا بالكلام السابق أنّ ما قبله جرى على وجوب القسط في يتامى النساء ، فكان ذلك مناسبة الانتقال. والمخاطب بالأمر في أمثال هذا كلّ من له نصيب في العمل بذلك ، فهو خطاب لعموم الأمّة على معنى تناوله لكلّ من له فيه يد من الأزواج والأولياء ثم ولاة الأمور الذين إليهم المرجع في الضرب على أيدي ظلمة الحقوق أربابها. والمقصود بالخطاب ابتداء هم الأزواج ، لكيلا يتذرّعوا بحياء النساء وضعفهنّ وطلبهنّ مرضاتهم إلى غمص حقوقهنّ في أكل مهورهنّ ، أو يجعلوا حاجتهنّ للتزوّج لأجل إيجاد كافل لهنّ ذريعة لإسقاط المهر في النكاح ، فهذا ما يمكن في أكل مهورهنّ ، وإلّا فلهنّ أولياء يطالبون الأزواج بتعيين المهور ، ولكن دون الوصول إلى ولاة الأمور متاعب وكلف قد يملّها صاحب بالحقّ فيترك طلبه ، وخاصّة النساء ذوات الأزواج. وإلى كون الخطاب للأزواج ذهب ابن عباس ، وقتادة ، وابن زيد ، وابن جريج ، فالآية على هذا قرّرت دفع المهور وجعلته شرعا ، فصار المهر ركنا من أركان النكاح في الإسلام ،