الاستثناء من الأمر في قوله : (فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ) أي : إلّا الذين آمنوا ولم هاجروا. أو إلّا الذين ارتدّوا على أدبارهم إلى مكة بعد أن يهاجروا ، وهؤلاء يصلون إلى قوم ممّن عاهدوكم ، فلا تتعرّضوا لهم بالقتل ، لئلّا تنقضوا عهودكم المنعقدة مع قومهم.
ومعنى (يصلون) ينتسبون ، مثل معنى اتّصل في قول أحد بني نبهان :
ألا بلغا خلّني راشدا |
|
وصنوي قديما إذا ما اتّصل |
أي انتسب ، ويحتمل أن يكون بمعنى التحق ، أي إلّا الذين يلتحقون بقوم بينكم وبينهم ميثاق ، فيدخلون في عهدهم ، فعلى الاحتمال الأول هم من المعاهدين أصالة وعلى الاحتمال الثاني هم كالمعاهدين لأنّ معاهد المعاهد كالمعاهد. والمراد ب (الذين يصلون) قوم غير معيّنين ، بل كلّ من اتّصل بقوم لهم عهد مع المسلمين ، ولذلك قال مجاهد : هؤلاء من القوم الذين نزل فيهم (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) [النساء : ٨٨].
وأمّا قوله : (إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) فالمراد به القبائل التي كان لهم عهد مع المسلمين. قال مجاهد : لمّا نزلت : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) الآية خاف أولئك الذين نزلت فيهم ، فذهبوا ببضائعهم إلى هلال بن عويمر الأسلمي ، وكان قد حالف النبيصلىاللهعليهوسلم على : أن لا يعينه ولا يعين عليه ، وأنّ من لجأ إلى هلال من قومه وغيرهم فله من الجوار مثل ما له. وقيل : أريد بالقوم الذين بينكم وبينهم ميثاق خزاعة ، وقيل : بنو بكر بن زيد مناءة كانوا في صلح وهدنة مع المسلمين ، ولم يكونوا آمنوا يومئذ وقيل : هم بنو مدلج إذ كان سراقة بن مالك المدلجي قد عقد عهدا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم لقومه بني مدلج بعد يوم بدر ، على أن لا يعينوا على رسول الله ، وأنّهم إن أسلمت قريش أسلموا وإن لم تسلم قريش فهم لا يسلمون ، لئلّا تخشن قلوب قريش عليهم. والأولى أنّ جميع هذه القبائل مشمول للآية.
ومعنى (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ) إلخ : أو جاءوا إلى المدينة مهاجرين ولكنّهم شرطوا أن لا يقاتلوا مع المؤمنين قومهم فاقبلوا منهم ذلك. وكان هذا رخصة لهم أوّل الإسلام ، إذ كان المسلمون قد هادنوا قبائل من العرب تألّفا لهم ، ولمن دخل في عهدهم ، فلمّا قوي الإسلام صار الجهاد مع المؤمنين واجبا على كلّ من يدخل في الإسلام ، أمّا المسلمون الأوّلون من المهاجرين والأنصار ومن أسلموا ولم يشترطوا هذا الشرط فلا تشملهم الرخصة ، وهم الذين قاتلوا مشركي مكة وغيرها.