(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٩٤))
استئناف ابتدائي خوطب به المؤمنون ، استقصاء للتحذير من قتل المؤمن بذكر أحوال قد يتساهل فيها وتعرض فيها شبه. والمناسبة ما رواه البخاري ، عن ابن عبّاس ، قال : كان رجل في غنيمة له فلحقه المسلمون ، فقال : السلام عليكم ، فقتلوه وأخذوا غنيمته ، فأنزل الله في ذلك هذه الآية. وفي رواية وقال : لا إله إلّا الله محمد رسول الله. وفي رواية أنّ النبيصلىاللهعليهوسلم حمل ديته إلى أهله وردّ غنيمته واختلف في اسم القاتل والمقتول ، بعد الاتّفاق على أنّ ذلك كان في سريّة ، فروى ابن القاسم ، عن مالك : أنّ القاتل أسامة بن زيد ، والمقتول مرداس بن نهيك الفزاري من أهل فدك ، وفي سيرة ابن إسحاق أنّ القاتل محلّم من جثامة ، والمقتول عامر بن الأضبط. وقيل : القاتل أبو قتادة ، وقيل أبو الدرداء ، وأن النبيصلىاللهعليهوسلم وبّخ القاتل ، وقال له : «فهلّا شققت عن بطنه فعلمت ما في قلبه». ومخاطبتهم ب (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تلوّح إلى أنّ الباعث على قتل من أظهر الإسلام منهي عنه ، ولو كان قصد القاتل الحرص على تحقّق أنّ وصف الإيمان ثابت للمقتول ، فإنّ هذا التحقّق غير مراد للشريعة ، وقد ناطت صفة الإسلام بقول : «لا إله إلّا الله محمد رسول الله» أو بتحية الإسلام وهي «السلام عليكم».
والضرب : السير ، وتقدّم عند قوله تعالى : (وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ) في سورة آل عمران [١٥٦]. وقوله : (فِي سَبِيلِ اللهِ) ظرف مستقر هو حال من ضمير (ضَرَبْتُمْ) وليس متعلّقا ب «ضربتم» لأنّ الضرب أي السّير لا يكون على سبيل الله إذ سبيل الله لقب للغزو ، ألا ترى قوله تعالى : (وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى) الآية.
والتبيّن : شدّة طلب البيان ، أي التأمّل القويّ ، حسبما تقتضيه صيغة التفعّل. ودخول الفاء على فعل «تبيّنوا» لما في (إذا) من تضمّن معنى الاشتراط غالبا. وقرأ الجمهور : (فَتَبَيَّنُوا) ـ بفوقية ثم موحّدة ثم تحتيّة ثم نون ـ من التبيّن وهو تفعّل ، أي تثبّتوا واطلبوا بيان الأمور فلا تعجلوا فتتّبعوا الخواطر الخاطفة الخاطئة. وقرأه حمزة ، والكسائي،