إليها القرآن في قوله : (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) [النساء : ٢٥] ودون ذلك البغاء وهو الزنا بالإماء بأجور معيّنة ، وهو الذي ذكر الله النهي عنه بقوله : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا)[النور : ٣٣] وهنالك معاشرات أخرى ، مثل الضماد وهو أن تتّخذ ذات الزوج رجلا خليلا لها في سنة القحط لينفق عليها مع نفقة زوجها. فلأجل ذلك سمّى الله الصداق نحلة ، فأبعد الذين فسّروها بلازم معناها فجعلوها كناية عن طيب نفس الأزواج أو الأولياء بإيتاء الصدقات ، والذين فسروها بأنّها عطية من الله للنساء فرضها لهنّ ، والذين فسّروها بمعنى الشرع الذي ينتحل أي يتّبع.
وقوله : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) الآية أي فإن طابت أنفسهنّ لكم بشيء منه أي المذكور. وأفرد ضمير «منه» لتأويله بالمذكور حملا على اسم الإشارة كما قال رؤبة :
فيها خطوط من سواد وبلق |
|
كأنّه في الجلد توليع البهق |
فقال له أبو عبيدة : إمّا أن تقول : كأنّها إن أردت الخطوط ، وإما أن تقول : كأنّهما إن أردت السواد والبلق فقال : أردت كأنّ ذلك ، ويلك!! أي أجرى الضمير كما يجرى اسم الإشارة. وقد تقدّم عند قوله تعالى : (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) في سورة البقرة [٦٨]. وسيأتي الكلام على ضمير (مِثْلَهُ) عند قوله تعالى : (وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ) في سورة العقود [٣٦].
وجيء بلفظ (نَفْساً) مفردا مع أنّه تمييز نسبة (طِبْنَ إلى ضمير جماعة النساء لأنّ التمييز اسم جنس نكرة يستوي فيه المفرد والجمع. وأسند الطيب إلى ذوات النساء ابتداء ثم جيء بالتمييز للدلالة على قوّة هذا الطيب على ما هو مقرّر في علم المعاني : من الفرق بين واشتعل الرأس شيبا وبين اشتعل شيب رأسي ، ليعلم أنه طيب نفس لا يشوبه شيء من الضغط والإلجاء.
وحقيقة فعل (طابَ) اتّصاف الشيء بالملاءمة للنفس ، وأصله طيب الرائحة لحسن مشمومها ، وطيب الريح موافقتها للسائر في البحر : (وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) [يونس : ٢٢] ، ومنه أيضا ما ترضى به النفس كما تقدّم في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) [البقرة : ١٦٨] ثم استعير لما يزكو بين جنسه كقوله : (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) [النساء : ٢] ومنه فعل (طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) هنا أي رضين