وجملة (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) معترضة. وتنوين «كلا» تنوين عوض عن مضاف إليه ، والتقدير : وكلّ المجاهدين والقاعدين.
وعطف (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) على جملة (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ) ، وإن كان معنى الجملتين واحدا باعتبار ما في الجملة الثانية من زيادة (أَجْراً عَظِيماً) فبذلك غايرت الجملة المعطوفة الجملة المعطوف عليها مغايرة سوّغت العطف ، مع ما في إعادة معظم ألفاظها من توكيد لها.
والمراد بقوله : (الْمُجاهِدِينَ) المجاهدون بأموالهم وأنفسهم فاستغني عن ذكر القيد بما تقدّم من ذكره في نظيره السابق. وانتصب (أَجْراً عَظِيماً) على النيابة عن المفعول المطلق المبيّن للنوع لأنّ الأجر هو ذلك التفضيل ، ووصف بأنّه عظيم.
وانتصب درجات على البدل من قوله (أَجْراً عَظِيماً) ، أو على الحال باعتبار وصف درجات بأنّها (مِنْهُ) أي من الله.
وجمع (دَرَجاتٍ) لإفادة تعظيم الدرجة لأنّ الجمع لما فيه من معنى الكثرة تستعار صيغته لمعنى القوّة ، ألا ترى أنّ علقمة لمّا أنشد الحارث بن جبلة ملك غسان قوله يستشفع لأخيه شأس بن عبدة :
وفي كلّ حي قد خبطت بنعمة |
|
فحقّ لشأس من نداك ذنوب |
قال له الملك «وأذنبة».
[٩٧ ـ ٩٩] (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (٩٧) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨) فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً (٩٩))
فلمّا جاء ذكر القاعدين عن الجهاد من المؤمنين بعذر وبدونه ، في الآية السالفة ، كان حال القاعدين عن إظهار إسلامهم من الذين عزموا عليه بمكة ، أو اتّبعوه ثمّ صدّهم أهل مكة عنه وفتنوهم حتّى أرجعوهم إلى عبادة الأصنام بعذر وبدونه ، بحيث يخطر ببال السامع أن يتساءل عن مصيرهم إن هم استمرّوا على ذلك حتّى ماتوا ، فجاءت هذه الآية مجيبة عمّا يجيش بنفوس السّامعين من التساؤل عن مصير أولئك ، فكان موقعها استئنافا