مصلحة كبرى للجامعة الإسلامية.
(وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٠))
جملة (وَمَنْ يُهاجِرْ) عطف على جملة (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) [النساء : ٩٧] ، و (من) شرطية. والمهاجرة في سبيل الله هي المهاجرة لأجل دين الله. والسبيل استعارة معروفة ، وزادها قبولا هنا أنّ المهاجرة نوع من السير ، فكان لذكر السبيل معها ضرب من التورية. والمراغم اسم مكان من راغم إذا ذهب في الأرض ، وفعل راغم مشتقّ من الرّغام ـ بفتح الراء ـ وهو التراب. أو هو من راغم غيره إذا غلبه وقهره ، ولعلّ أصله أنّه أبقاه على الرغام ، أي التراب ، أي يجد مكانا يرغم فيه من أرغمه ، أي يغلب فيه قومه باستقلاله عنهم كما أرغموه بإكراهه على الكفر ، قال الحارث بن وعلة الذهلي :
لا تأمنن قوما ظلمتهم |
|
وبدأتهم بالشتم والرغم |
إن يأبروا نخلا لغيرهم |
|
والشيء تحقره وقد ينمي |
أي أن يكونوا عونا للعدوّ على قومهم. ووصف المراغم بالكثير لأنّه أريد به جنس الأمكنة. والسعة ضد الضيق ، وهي حقيقة اتّساع الأمكنة ، وتطلق على رفاهية العيش ، فهي سعة مجازية. فإن كان المراغم هو الذهاب في الأرض فعطف السعة عليه عطف تفسير ، وإن كان هو مكان الإغاضة فعطف السعة للدلالة على أنّه يجده ملائما من جهة إرضاء النفس ، ومن جهة راحة الإقامة.
ثم نوّه الله بشأن الهجرة بأن جعل ثوابها حاصلا بمجرّد من بلد الكفر ، ولو لم يبلغ إلى البلد المهاجر إليه. بقوله : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) إلخ. ومعنى المهاجرة إلى الله المهاجرة إلى الموضع الذي يرضاه الله. وعطف الرسول على اسم الجلالة للإشارة إلى خصوص الهجرة إلى المدينة للالتحاق بالرسول وتعزيز جانبه ، لأنّ الذي يهاجر إلى غير المدينة قد سلم من إرهاق الكفر ولم يحصّل على نصرة الرسول ، ولذلك بادر أهل هجرة الحبشة إلى اللحاق بالرسول حين بلغهم مهاجره إلى المدينة.
ومعنى (يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ) ، أي في الطريق ، ويجوز أن يكون المعنى : ثم يدركه الموت مهاجرا ، أي لا يرجع بعد هجرته إلى بلاد الكفر وهو الأصحّ ، وقد اختلف في