في الأرض : السفر.
(وإذا) مضمّنة معنى الشرط كما هو غالب استعمالها ، فلذلك دخلت الفاء على الفعل الذي هو كجواب الشرط. (وإذا) منصوبة بفعل الجواب.
وقصر الصلاة : النقص منها ، وقد علم أنّ أجزاء الصلاة هي الركعات بسجداتها وقراءاتها ، فلا جرم أن يعلم أنّ القصر من الصلاة هو نقص الركعات ، وقد بيّنه فعل النبيصلىاللهعليهوسلم إذ صيّر الصلاة ذات الأربع الركعات ذات ركعتين. وأجملت الآية فلم تعيّن الصلوات التي يعتريها القصر ، فبيّنته السنّة بأنّها الظهر والعصر والعشاء. ولم تقصر الصبح لأنّها تصير ركعة واحدة فتكون غير صلاة ، ولم تقصر المغرب لئلّا تصير شفعا فإنّها وتر النهار ، ولئلّا تصير ركعة واحدة كما قلنا في الصبح.
وهذه الآية أشارت إلى قصر الصلاة الرباعية في السفر ، ويظهر من أسلوبها أنّها نزلت في ذلك ، وقد قيل : إنّ قصر الصلاة في السفر شرع في سنة أربع من الهجرة وهو الأصحّ ، وقيل : في ربيع الآخر من سنة اثنتين ، وقيل : بعد الهجرة بأربعين يوما. وقد روى أهل الصحيح قول عائشة ـ رضياللهعنها ـ : فرضت الصلاة ركعتين فأقرّت صلاة السفر وزيدت صلاة الحضر ، وهو حديث بيّن واضح. ومحمل الآية على مقتضاه : أنّ الله تعالى لمّا فرض الصلاة ركعتين فتقرّرت كذلك فلمّا صارت الظهر والعصر والعشاء أربعا نسخ ما كان من عددها ، وكان ذلك في مبدأ الهجرة ، وإذ قد كان أمر الناس مقاما على حالة الحضر وهي الغالب عليهم ، بطل إيقاع الصلوات المذكورات ركعتين ، فلمّا غزوا خفف الله عنهم فأذنهم أن يصلّوا تلك الصلوات ركعتين ركعتين ، فلذلك قال تعالى : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) وقال : (أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) وإنّما قالت عائشة «أقرت صلاة السفر» حيث لم تتغيّر عن الحالة الأولى ، وهذا يدلّ على أنّهم لم يصلّوها تامّة في السفر بعد الهجرة ، فلا تعارض بين قولها وبين الآية.
وقوله : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) شرط دلّ على تخصيص الإذن بالقصر بحال الخوف من تمكّن المشركين منهم وإبطالهم عليهم صلاتهم ، وأنّ الله أذن في القصر لتقع الصلاة عن اطمئنان ، فالآية هذه خاصّة بقصر الصلاة عند الخوف ، وهو القصر الذي له هيئة خاصّة في صلاة الجماعة ، وهذا رأي مالك ، يدلّ عليه ما أخرجه في «الموطأ» : أنّ رجلا من آل خالد بن أسيد سأل عبد الله بن عمر «إنّا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن ولا نجد صلاة السفر» ، فقال ابن عمر : «يا ابن أخي إنّ الله بعث إلينا