محمدا ولا نعلم شيئا فإنّما نفعل كما رأيناه يفعل» ، يعني أنّ ابن عمر أقرّ السائل وأشعره بأنّ صلاة السفر ثبتت بالسنّة ، وكذلك كانت ترى عائشة وسعد بن أبي وقّاص أنّ هذه الآية خاصّة بالخوف ، فكانا يكمّلان الصلاة في السفر. وهذا التأويل هو البيّن في محمل هذه الآية ، فيكون ثبوت القصر في السفر بدون الخوف وقصر الصلاة في الحضر عند الخوف ثابتين بالسنّة ، وأحدهما أسبق من الآخر ، كما قال ابن عمر. وعن يعلى بن أمية أنّه قال: قلت لعمر بن الخطاب : إنّ الله تعالى يقول : (إِنْ خِفْتُمْ) وقد أمن الناس. فقال : عجبت ممّا عجبت منه فسألت رسول الله عن ذلك فقال «صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته». ولا شكّ أنّ محمل هذا الخبر أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم أقرّ عمر على فهمه تخصيص هذه الآية بالقصر لأجل الخوف ، فكان القصر لأجل الخوف رخصة لدفع المشقّة ، وقوله : له صدقة إلخ ، معناه أنّ القصر في السفر لغير الخوف صدقة من الله ، أي تخفيف ، وهو دون الرخصة فلا تردّوا رخصته ، فلا حاجة إلى ما تمحّلوا به في تأويل القيد الذي في قوله : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وتقتصر الآية على صلاة الخوف ، ويستغني القائلون بوجوب القصر في السفر مثل ابن عباس ، وأبي حنيفة ، ومحمد بن سحنون ، وإسماعيل بن إسحاق من المالكية ؛ والقائلون بتأكيد سنّة القصر مثل مالك بن أنس وعامّة أصحابه ، عن تأويل قوله : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) بما لا يلائم إطلاق مثل هذا اللفظ. ويكون قوله : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) إعادة لتشريع رخصة القصر في السفر لقصد التمهيد لقوله : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ) الآيات.
أمّا قصر الصلاة في السفر فقد دلّت عليه السنّة الفعلية ، واتّبعه جمهور الصحابة إلّا عائشة وسعد بن أبي وقاص ، حتّى بالغ من قال بوجوبه من أجل حديث عائشة في «الموطأ» و «الصحيحين» لدلالته على أنّ صلاة السفر بقيت على فرضها ، فلو صلّاها رباعية لكانت زيادة في الصلاة ، ولقول عمر فيما رواه النسائي وابن ماجة : صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر. وإنّما قال مالك بأنّه سنّة لأنّه لم يرو عن النبي صلىاللهعليهوسلم في صلاة السفر إلّا القصر ، وكذلك الخلفاء من بعده. وإنّما أتمّ عثمان بن عفّان الصلاة في الحج خشية أن يتوهّم الأعراب أنّ الصلوات كلّها ركعتان. غير أنّ مالكا لم يقل بوجوبه من أجل قوله تعالى : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) لمنافاته لصيغ الوجوب. ولقد أجاد محامل الأدلّة.
وأخبر عن الكافرين وهو جمع بقوله : (عَدُوًّا) وهو مفرد. وقد قدّمنا ذلك عند قوله تعالى : (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ) [النساء : ٩٢].