تعليم المسلمين أن يطلبوا المسبّبات من أسبابها ، أي إن أخذتم حذركم أمنتم من عدوّكم.
(فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (١٠٣))
القضاء : إتمام الشيء كقوله : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) [البقرة : ٢٠٠]. والظاهر من قوله : (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ) أنّ المراد من الذكر هنا النوافل ، أو ذكر اللسان كالتسبيح والتحميد ، (فقد كانوا في الأمن يجلسون إلى أن يفرغوا من التسبيح ونحوه) ، فرخّص لهم حين الخوف أن يذكروا الله على كلّ حال والمراد القيام والقعود والكون على الجنوب ما كان من ذلك في أحوال الحرب لا لأجل الاستراحة.
وقوله : (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) تفريع عن قوله : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ) [النساء : ١٠١] إلى آخر الآية. فالاطمئنان مراد به القفول من الغزو ، لأنّ في الرجوع إلى الأوطان سكونا من قلاقل السفر واضطراب البدن ، فإطلاق الاطمئنان عليه يشبه أن يكون حقيقة ، وليس المراد الاطمئنان الذي هو عدم الخوف لعدم مناسبته هنا ، وقد تقدّم القول في الاطمئنان عند قوله تعالى : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) من سورة البقرة [٢٦٠].
ومعنى : (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) صلّوها تامّة ولا تقصروها ، هذا قول مجاهد وقتادة ، فيكون مقابل قوله : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) [النساء : ١٠١] ، وهو الموافق لما تقدّم من كون الوارد في القرآن هو حكم قصر الصلاة في حال الخوف ، دون قصر السفر من غير خوف. فالإقامة هنا الإتيان بالشيء قائما أي تامّا ، على وجه التمثيل كقوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) [الرحمن : ٩] وقوله : (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى : ١٣]. وهذا قول جمهور الأئمّة : مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وسفيان. وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يؤدّي المجاهد الصلاة حتّى يزول الخوف ، لأنّه رأى مباشرة القتال فعلا يفسد الصلاة. وقوله تعالى : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) إلى قوله : (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) [النساء : ١٠١ ـ ١٠٣] يرجح قول الجمهور ، لأنّ قوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) مسوق مساق التعليل للحرص على أدائها في أوقاتها.
والموقوت : المحدود بأوقات ، والمنجّم عليها ، وقد يستعمل بمعنى المفروض على طريق المجاز. والأول أظهر هنا.