عروض الخطأ في الفهم لغير الرسول دون الرسول صلىاللهعليهوسلم.
واللام في قوله : (لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) لام العلّة وليست لام التقوية. ومفعول (خَصِيماً) محذوف دلّ عليه ذكر مقابله وهو (لِلْخائِنِينَ) أي لا تكن تخاصم من يخاصم الخائنين ، أي لا تخاصم عنهم. فالخصيم هنا بمعنى المنتصر المدافع كقوله : «كنت أنا خصمه يوم القيامة». والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم والمراد الأمّة ، لأنّ الخصام عن الخائنين لا يتوقّع من النبي صلىاللهعليهوسلم ، وإنّما المراد تحذير الذين دفعتهم الحميّة إلى الانتصار لأبناء أبيرق.
والأمر باستغفار الله جرى على أسلوب توجيه الخطاب إلى الرسول ، فالمراد بالأمر غيره ، أرشدهم إلى ما هو أنفع لهم وهو استغفار الله ممّا اقترفوه ، أو أراد : واستغفر الله للخائنين ليلهمهم إلى التوبة ببركة استغفارك لهم فذلك أجدر من دفاع المدافعين عنهم. وهذا نظير قوله : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ) [النساء : ٦٤] وليس المراد بالأمر استغفار النبي لنفسه ، كما أخطأ فيه من توهّم ذلك ، فركّب عليه أنّ النبيصلىاللهعليهوسلم خطر بباله ما أوجب أمره بالاستغفار ، وهو همّه أن يجادل عن بني أبيرق ، مع علمه بأنّهم سرقوا ، خشية أن يفتضحوا ، وهذا من أفهام الضعفاء وسوء وضعهم الأخبار لتأييد سقيم أفهامهم.
والخطاب في قوله : (وَلا تُجادِلْ) للرسول ، والمراد نهي الأمّة عن ذلك ، لأنّ مثله لا يترقّب صدوره من الرسول عليه الصلاة والسلام كما دلّ عليه قوله تعالى : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا).
و (يَخْتانُونَ) بمعنى يخونون ، وهو افتعال دالّ على التكلّف والمحاولة لقصد المبالغة في الخيانة. ومعنى خيانتهم أنفسهم أنّهم بارتكابهم ما يضرّ بهم كانوا بمنزلة من يخون غيره كقوله : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ١٨٧]. ولك أن تجعل (أَنْفُسَهُمْ) هنا بمعنى بني أنفسهم ، أي بني قومهم ، كقوله (تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ) [البقرة : ٨٥] ، وقوله (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) [النور : ٦١] ، أي الذين يختانون ناسا من أهلهم وقومهم. والعرب تقول : هو تميمي من أنفسهم ، أي ليس بمولى ولا لصيق.
والمجادلة مفاعلة من الجدل ، وهو القدرة على الخصام والحجّة فيه ، وهي منازعة بالقول لإقناع الغير برأيك ، ومنه سمّي علم قواعد المناظرة والاحتجاج في الفقه علم الجدل ، (وكان يختلط بعلم أصول الفقه وعلم آداب البحث وعلم المنطق). ولم يسمع