للجدل فعل مجرّد أصلي ، والمسموع منه جادل لأنّ الخصام يستدعي خصمين. وأمّا قولهم : جدله فهو بمعنى غلبه في المجادلة ، فليس فعلا أصليا في الاشتقاق. ومصدر المجادلة ، الجدال ، قال تعالى : (وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) [البقرة : ١٩٧]. وأمّا الجدل بفتحتين فهو اسم المصدر ، وأصله مشتقّ من الجدل ، وهو الصرع على الأرض ، لأنّ الأرض تسمّى الجدالة ـ بفتح الجيم ـ يقال : جدله فهو مجدول.
وجملة : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ) بيان ل (يَخْتانُونَ). وجملة : (وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ) حال ، وذلك هو محلّ الاستغراب من حالهم وكونهم يختانون أنفسهم. والاستخفاء من الله مستعمل مجازا في الحياء ، إذ لا يعتقد أحد يؤمن بالله أنّه يستطيع أن يستخفي من الله.
وجملة : (وَهُوَ مَعَهُمْ) حال من اسم الجلالة ، والمعية هنا معية العلم والاطّلاع و (إِذْ يُبَيِّتُونَ) ظرف ، والتبييت جعل الشيء في البيات ، أي الليل ، مثل التصبيح ، يقال: بيّتهم العدوّ وصبّحهم العدوّ وفي القرآن : (لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ) [النمل : ٤٩] أي لنأتينّهم ليلا فنقلتهم. والمبيّت هنا هو ما لا يرضي من القول ، أي دبّروه وزوّروه ليلا لقصد الإخفاء ، كقول العرب : هذا أمر قضي بليل ، أو تشوور فيه بليل ، والمراد هنا تدبير مكيدتهم لرمي البراء بتهمة السرقة.
وقوله (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ) استئناف أثاره قوله : (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) ، والمخاطب كلّ من يصلح للمخاطبة من المسلمين. والكلام جار مجرى الفرض والتقدير ، أو مجرى التعريض ببعض بني ظفر الذين جادلوا عن بني أبيرق.
والقول في تركيب (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) تقدّم في سورة البقرة [٨٥] عند قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) ، وتقدّم نظيره في آل عمران [١١٩] (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ).
و (أم) في قوله : (أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) منقطعة للإضراب الانتقالي. و (من) استفهام مستعمل في الإنكار.
والوكيل مضى الكلام عليه عند قوله تعالى : (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) في سورة آل عمران [١٧٣].
[١١٠ ـ ١١٣] (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً