الكثير ، موصوفا بأن لا خير فيه وبذلك يتّضح أنّ الاستثناء متّصل ، وأن لا داعي إلى جعله منقطعا. والمقصد من ذلك كلّه الاهتمام والتنويه بشأن هذه الثلاثة ، ولو تناجى فيها من غالب أمره قصد الشرّ.
وقوله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) إلخ وعد بالثواب على فعل المذكورات إذا كان لابتغاء مرضاة الله. فدلّ على أنّ كونها خيرا وصف ثابت لها لما فيها من المنافع ، ولأنّها مأمور بها في الشرع ، إلّا أنّ الثواب لا يحصل إلّا عن فعلها ابتغاء مرضاة الله كما في حديث : «إنما الأعمال بالنيات».
وقرأ الجمهور : (نؤتيه) ـ بنون العظمة ـ على الالتفات من الغيبة في قوله : (مَرْضاتِ اللهِ).
(وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (١١٥))
عطف على (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) [النساء : ١١٤] بمناسبة تضادّ الحالين. والمشاقّة : المخالفة المقصودة ، مشتقّة من الشّقّ لأنّ المخالف كأنّه يختار شقّا يكون فيه غير شقّ الآخر.
فيحتمل قوله : (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى) أن يكون أراد به من بعد ما آمن بالرسول فتكون الآية وعيدا للمرتدّ. ومناسبتها هنا أن بشير بن أبيرق صاحب القصّة المتقدّمة ، لمّا افتضح أمره ارتدّ ولحق بمكة ، ويحتمل أن يكون مرادا به من بعد ما ظهر صدق الرسول بالمعجزات ، ولكنّه شاقّه عنادا ونواء للإسلام.
وسبيل كلّ قوم طريقتهم التي يسلكونها في وصفهم الخاصّ ، فالسبيل مستعار للاعتقادات والأفعال والعادات ، التي يلازمها أحد ولا يبتغي التحوّل عنها ، كما يلازم قاصد المكان طريقا يبلغه إلى قصده ، قال تعالى : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي) [يوسف : ١٠٨] ومعنى هذه الآية نظير معنى قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ) [محمد : ٣٢] ، فمن اتّبع سبيل المؤمنين في الإيمان واتّبع سبيل غيرهم في غير الكفر مثل اتّباع سبيل يهود خبير في غراسة النخيل ، أو بناء الحصون ، لا يحسن أن يقال فيه اتّبع غير سبيل المؤمنين. وكأنّ فائدة عطف اتّباع غير سبيل المؤمنين على مشاقّة الرسول الحيطة لحفظ الجامعة الإسلامية بعد