خلق الله إنّما يكون إنما إذا كان فيه حظّ من طاعة الشيطان ، بأن يجعل علامة لنحلة شيطانيّة ، كما هو سياق الآية واتّصال الحديث بها. وقد أوضحنا ذلك في كتابي المسمّى : «النظر الفسيح على مشكل الجامع الصحيح».
وجملة (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً) تذييل دالّ على أنّ ما دعاهم إليه الشيطان : من تبتيك آذان الأنعام ، وتغيير خلق الله ، إنّما دعاهم إليه لما يقتضيه من الدلالة على استشعارهم بشعاره ، والتديّن بدعوته ، وإلّا فإنّ الشيطان لا ينفعه أن يبتّك أحد أذن ناقته ، أو أن يغيّر شيئا من خلقته ، إلّا إذا كان ذلك للتأثّر بدعوته.
وقوله : (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ) استئناف لبيان أنّه أنجز عزمه فوعد ومنّى وهو لا يزال يعد ويمنّي ، فلذلك جيء بالمضارع. وإنّما لم يذكر أنّه يأمرهم فيبتّكون آذان الأنعام ويغيّرون خلق الله لظهور وقوعه لكلّ أحد.
وجيء باسم الإشارة في قوله : (أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) لتنبيه السامعين إلى ما يرد بعد اسم الإشارة من الخبر وأنّ المشار إليهم أحرياء به عقب ما تقدّم من ذكر صفاتهم.
والمحيص : المراغ والملجأ ، من حاص إذا نفر وراغ ، وفي حديث هرقل «فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب». وقال جعفر بن علبة الحارثي :
ولم ندر إن حصنا من الموت حيصة |
|
كم العمر باق والمدى متطاول |
روي : حصنا وحيصة ـ بالحاء والصاد المهملتين ـ ويقال : جاض أيضا ـ بالجيم والضاد المعجمة ـ ، وبهما روي بيت جعفر أيضا.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً (١٢٢))
عطف على جملة (أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) [النساء : ١٢١] جريا على عادة القرآن في تعقيب الإنذار بالبشارة ، والوعيد بالوعد.
وقوله : (وَعْدَ اللهِ) مصدر مؤكّد لمضمون جملة : (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي) إلخ ، وهي بمعناه ، فلذلك يسمّي النحاة مثله مؤكّدا لنفسه ، أي مؤكّدا لما هو بمعناه.
وقوله : (حَقًّا) مصدر مؤكّد لمضمون (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ) ، إذ كان هذا في معنى الوعد ، أي هذا الوعد أحقّقه حقّا ، أي لا يتخلّف. ولمّا كان مضمون الجملة التي قبله