خاليا عن معنى الإحقاق كان هذا المصدر ممّا يسمّيه النحاة مصدرا مؤكّدا لغيره.
وجملة (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ) تذييل للوعد وتحقيق له : أي هذا من وعد الله ، ووعود الله وعود صدق ، إذ لا أصدق من الله قيلا. فالواو اعتراضية لأنّ التذييل من أصناف الاعتراض وهو اعتراض في آخر الكلام ، وانتصب (قِيلاً) على تمييز نسبة من (أَصْدَقُ مِنَ اللهِ).
والاستفهام إنكاري.
والقيل : القول ، وهو اسم مصدر بوزن فعل يجيء في الشرّ والخير.
[١٢٣ ، ١٢٤] (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٢٣) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (١٢٤))
الأظهر أنّ قوله : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ) استئناف ابتدائي للتنويه بفضائل الأعمال ، والتشويه بمساويها ، وأنّ في (ليس) ضميرا عائدا على الجزاء المفهوم من قوله : (يُجْزَ بِهِ) ، أي ليس الجزاء تابعا لأماني الناس ومشتهاهم ، بل هو أمر مقدّر من الله تعالى تقديرا بحسب الأعمال ، وممّا يؤيّد أن يكون قوله : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ) استئنافا ابتدائيا أنّه وقع بعد تذييل مشعر بالنهاية وهو قوله : (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) [النساء : ١٢٢]. وممّا يرجّحه أنّ في ذلك الاعتبار إبهاما في الضمير ، ثم بيانا له بالحملة بعده ، وهي : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) ؛ وأنّ فيه تقديم جملة (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ) عن موقعها الذي يترقّب في آخر الكلام ، فكان تقديمها إظهارا للاهتمام بها ، وتهيئة لإبهام الضمير. وهذه كلّها خصائص من طرق الإعجاز في النظم. وجملة (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) استئناف بياني ناشئ عن جملة (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ) لأنّ السامع يتساءل عن بيان هذا النفي المجمل. ولهذا الاستئناف موقع من البلاغة وخصوصية تفوت بغير هذا النظم الذي فسّرناه. وجعل صاحب «الكشاف» الضمير المستتر عائدا على وعد الله ، أي ليس وعدّ الله بأمانيّكم ؛ فتكون الجملة من تكملة الكلام السابق حالا من (وَعْدَ اللهِ) [النساء : ١٢٢] ، وتكون جملة (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) استئنافا ابتدائيا محضا.
روي الواحدي في أسباب النزول بسنده إلى أبي صالح ، وروى ابن جرير بسنده إلى مسروق ، وقتادة ، والسدّي ، والضحاك ، وبعض الروايات يزيد على بعض ، أنّ سبب