وَتَتَّقُوا) [النساء : ١٢٨] وقوله : (وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا) [النساء : ١٢٩] وبين جملة (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا) الآية. فهذه الجملة تضمّنت تذييلات لتلك الجمل السابقة ، وهي مع ذلك تمهيد لما سيذكر بعدها من قوله : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) إلخ لأنها دليل لوجوب تقوى الله.
والمناسبة بين هذه الجملة والتي سبقتها : وهي جملة (يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) [النساء : ١٣٠] أنّ الذي له ما في السماوات وما في الأرض قادر على أن يغني كلّ أحد من سعته. وهذا تمجيد لله تعالى ، وتذكير بأنّه ربّ العالمين ، وكناية عن عظيم سلطانه واستحقاقه للتقوى.
وجملة (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) عطف على جملة (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) [النساء : ١١٦].
وجعل الأمر بالتقوى وصية : لأنّ الوصية قول فيه أمر بشيء نافع جامع لخير كثير ، فلذلك كان الشأن في الوصية إيجاز القول لأنّها يقصد منها وعي السامع ، واستحضاره كلمة الوصية في سائر أحواله. والتقوى تجمع الخيرات ، لأنّها امتثال الأوامر واجتناب المناهي ، ولذلك قالوا : ما تكرّر لفظ في القرآن ما تكرّر لفظ التقوى ، يعنون غير الأعلام ، كاسم الجلالة. وفي الحديث عن العرباض بن سارية : وعظنا رسول الله موعظة وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا يا رسول الله : كأنّها موعظة مودّع فأوصنا ، قال : «أوصيكم بتقوى الله عزوجل والسمع والطاعة». فذكر التقوى في (أَنِ اتَّقُوا اللهَ) إلخ تفسير لجملة (وَصَّيْنَا) ، فإن فيه تفسيرية. والإخبار بأنّ الله أوصى الذين أوتوا الكتاب من قبل بالتقوى مقصود منه إلهاب همم المسلمين للتهمّم بتقوى الله لئلّا تفضلهم الأمم الذين من قبلهم من أهل الكتاب ، فإنّ للائتساء أثرا بالغا في النفوس ، كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [البقرة : ١٨٣] ، والمراد بالذين أوتوا الكتاب اليهود والنصارى ، فالتعريف في الكتاب تعريف الجنس فيصدق بالمتعدّد.
والتقوى المأمور بها هنا منظور فيها إلى أساسها وهو الإيمان بالله ورسله ولذلك قوبلت بجملة (وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ).
وبيّن بها عدم حاجته تعالى إلى تقوى الناس ، ولكنّها لصلاح أنفسهم ، كما قال (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) [الزمر : ٧]. فقوله : (فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) كناية عن عدم التضرّر بعصيان من يعصونه ، ولذلك جعلها