يتطلّبه من وجه لا يرضيه أو لا يبارك له فيه. والمراد بالثواب في الآية معناه اللغوي دون الشرعي ، وهو الخير وما يرجع به طالب النفع من وجوه النفع ، مشتقّ من ثاب بمعنى رجع. وعلى الاحتمالات كلّها فجواب الشرط ب «من كان يريد ثواب الدنيا» محذوف ، تدلّ عليه علّته ، والتقدير : من كان يريد ثواب الدنيا فلا يعرض عن دين الله ، أو فلا يصدّ عن سؤاله ، أو فلا يقتصر على سؤاله ، أو فلا يحصّله من وجوه لا ترضي الله تعالى : كما فعل بنو أبيرق وأضرابهم ، وليتطلّبه من وجوه البرّ لأنّ فضل الله يسع الخيرين ، والكلّ من عنده. وهذا كقول القطامي :
فمن تكن الحضارة أعجبته |
|
فأيّ رجال بادية ترانا |
التقدير : فلا يغترر أو لا يبتهج بالحضارة ، فإنّ حالنا دليل على شرف البداوة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٣٥))
انتقال من الأمر بالعدل في أحوال معيّنة من معاملات اليتامى والنساء إلى الأمر بالعدل الذي يعمّ الأحوال كلّها ، وما يقارنه من الشهادة الصادقة ، فإنّ العدل في الحكم وأداء الشهادة بالحقّ هو قوام صلاح المجتمع الإسلامي ، والانحراف عن ذلك ولو قيد أنملة يجرّ إلى فساد متسلسل.
وصيغة (قَوَّامِينَ) دالّة على الكثرة المراد لازمها ، وهو عدم الإخلال بهذا القيام في حال من الأحوال.
والقسط العدل ، وقد تقدّم عند قوله تعالى : (قائِماً بِالْقِسْطِ) في سورة آل عمران [١٨]. وعدل عن لفظ العدل إلى كلمة القسط لأنّ القسط كلمة معرّبة أدخلت في كلام العرب لدلالتها في اللغة المنقولة منها على العدل في الحكم ، وأمّا لفظ العدل فأعمّ من ذلك ، ويدلّ لذلك تعقيبه بقوله : (شُهَداءَ لِلَّهِ) فإنّ الشهادة من علائق القضاء والحكم.
و (لِلَّهِ) ظرف مستقرّ حال من ضمير (شُهَداءَ) أي لأجل الله ، وليست لام تعدية (شُهَداءَ) إلى مفعوله ، ولم يذكر تعلّق المشهود له بمتعلّقه وهو وصف (شُهَداءَ) لإشعار الوصف بتعيينه ، أي المشهود له بحقّ. وقد جمعت الآية أصلي التحاكم ، وهما القضاء والشهادة.