الأمر ، أي باشره. فالمعنى : وإن تلوا القضاء بين الخصوم ، فيكون راجعا إلى قوله : (أَنْ تَعْدِلُوا) ولا يتّجه رجوعه إلى الشهادة ، إذ ليس أداء الشهادة بولاية. والوجه أنّ هذه القراءة تخفيف (تَلْوُوا) نقلت حركة الواو إلى الساكن قبلها فالتقى واوان ساكنان فحذف أحدهما ، ويكون معنى القراءتين واحدا.
وقوله : (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) كناية عن وعيد ، لأنّ الخبير بفاعل السوء ، وهو قدير ، لا يعوزه أن يعذّبه على ذلك. وأكّدت الجملة ب «إنّ» و «كان».
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١٣٦))
تذييل عقّب به أمر المؤمنين بأن يكونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ، فأمرهم الله عقب ذلك بما هو جامع لمعاني القيام بالقسط والشهادة لله : بأن يؤمنوا بالله ورسله وكتبه ، ويدوموا على إيمانهم ، ويحذروا مسارب ما يخلّ بذلك.
ووصف المخاطبين بأنّهم آمنوا ، وإردافه بأمرهم بأن يؤمنوا بالله ورسله إلى آخره يرشد السامع إلى تأويل الكلام تأويلا يستقيم به الجمع بين كونهم آمنوا وكونهم مأمورين بإيمان ، ويجوز في هذا التأويل خمسة مسالك :
المسلك الأول : تأويل الإيمان في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بأنّه إيمان مختلّ منه بعض ما يحقّ الإيمان به ، فيكون فيها خطاب لنفر من اليهود آمنوا ، وهم عبد الله بن سلام ، وأسد وأسيد ابنا كعب ، وثعلبة بن قيس ، وسلام ابن أخت عبد الله بن سلام ، وسلمة ابن أخيه ، ويامين بن يامين ، سألوا النبي صلىاللهعليهوسلم أن يؤمنوا به وبكتابه ، كما آمنوا بموسى وبالتوراة ، وأن لا يؤمنوا بالإنجيل ، كما جاء في رواية الواحدي عن الكلبي ، ورواه غيره عن ابن عباس.
المسلك الثاني : أن يكون التأويل في الإيمان المأمور به أنّه إيمان كامل لا تشوبه كراهية بعض كتب الله ، تحذيرا من ذلك. فالخطاب للمسلمين لأنّ وصف الذين آمنوا صار كاللقب للمسلمين ، ولا شكّ أنّ المؤمنين قد آمنوا بالله وما عطف على اسمه هنا ، فالظاهر أنّ المقصود بأمرهم بذلك : إمّا زيادة تقرير ما يجب الإيمان به ، وتكرير استحضارهم إيّاه حتّى لا يذهلوا عن شيء منه اهتماما بجميعه ؛ وإمّا النهي عن إنكار الكتاب المنزّل على