ذلك التحذير بالشدّ على العضد ، والوعد بحسن العاقبة ، فوعدهم الله بأن لا يجعل للكافرين ، وإن تألّبت عصاباتهم. واختلفت مناحي كفرهم ، سبيلا على المؤمنين.
والمراد بالسبيل طريق الوصول إلى المؤمنين بالهزيمة والغلبة ، بقرينة تعديته بعلى ، ولأنّ سبيل العدوّ إلى عدوّه هو السعي إلى مضرّته ، ولو قال لك الحبيب : لا سبيل إليك ، لتحسّرت ؛ ولو قال لك العدوّ : لا سبيل إليك لتهلّلت بشرا ، فإذا عدّي بعلى صار نصا في سبيل الشرّ والأذى ، فالآية وعد محض دنيوي ، وليست من التشريع في شيء ، ولا من أمور الآخرة في شيء لنبوّ المقام عن هذين.
فإن قلت : إذا كان وعدا لم يجز تخلّفه. ونحن نرى الكافرين ينتصرون على المؤمنين انتصرا بيّنا ، وربما تملّكوا بلادهم وطال ذلك ، فكيف تأويل هذا الوعد. قلت : إن أريد بالكافرين والمؤمنين الطائفتان المعهودتان بقرينة القصّة فالإشكال زائل ، لأنّ الله جعل عاقبة النصر أيّامئذ للمؤمنين وقطع دابر القوم الذين ظلموا فلم يلبثوا أن ثقفوا وأخذوا وقتّلوا تقتيلا ودخلت بقيتهم في الإسلام فأصبحوا أنصارا للدين ؛ وإن أريد العموم فالمقصود من المؤمنين المؤمنون الخلّص الذين تلبّسوا بالإيمان بسائر أحواله وأصوله وفروعه ، ولو استقام المؤمنون على ذلك لما نال الكافرون منهم منالا ، ولدفعوا عن أنفسهم خيبة وخبالا.
[١٤٢ ، ١٤٣] (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٤٢) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (١٤٣))
استئناف ابتدائي ، فيه زيادة بيان لمساويهم. والمناسبة ظاهرة. وتأكيد الجملة بحرف (إنّ) لتحقيق حالتهم العجيبة وتحقيق ما عقبها من قوله : (وَهُوَ خادِعُهُمْ).
وتقدّم الكلام على معنى مخادعة المنافقين الله تعالى في سورة البقرة [٩] عند قوله : (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا).
وزادت هذه الآية بقوله : (وَهُوَ خادِعُهُمْ) أي فقابلهم بمثل صنيعهم ، فكما كان فعلهم مع المؤمنين المتبعين أمر الله ورسوله خداعا لله تعالى ، كان إمهال الله لهم في الدنيا حتى اطمأنّوا وحسبوا أن حيلتهم وكيدهم راجا على المسلمين وأنّ الله ليس ناصرهم ، وإنذاره المؤمنين بكيدهم حتّى لا تنطلي عليهم حيلهم ، وتقدير أخذه إيّاهم بأخرة ، شبيها