ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه ، وعرضه يوم أحد وهو ابن خمس عشرة فأجازه. ولا حجّة فيه إذ ليس يلزم أن يكون بلوغ عبد الله بن عمر هو معيار بلوغ عموم المسلمين ، فصادف أن رآه النبي صلىاللهعليهوسلم وعليه ملامح الرجال ، فأجازه ، وليس ذكر السنّ في كلام ابن عمر إيماء إلى ضبط الإجازة. وقد غفل عن هذا ابن العربي في أحكام القرآن ، فتعجّب من ترك هؤلاء الأئمّة تحديد سنّ البلوغ بخمس عشرة سنة ، والعجب منه أشدّ من عجبه منهم ، فإنّ قضية ابن عمر قضية عين ، وخلاف العلماء في قضايا الأعيان معلوم ، واستدلّ الشافعية بما روى أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال : إذا استكمل الولد خمس عشرة سنة كتب ما له وما عليه ، وأقيمت عليه الحدود. وهو حديث ضعيف لا ينبغي الاستدلال به.
ووقت الابتلاء يكون بعد التمييز لا محالة ، وقبل البلوغ : قاله ابن الموّاز عن مالك ، ولعلّ وجهه أنّ الابتلاء قبل البلوغ فيه تعريض بالمال للإضاعة لأنّ عقل اليتيم غير كامل ، وقال البغداديون من المالكية : الابتلاء قبل البلوغ. وعبّر عن استكمال قوّة النماء الطبيعي ب (بَلَغُوا النِّكاحَ) ، فأسند البلوغ إلى ذواتهم لأنّ ذلك الوقت يدعو الرجل للتزوّج ويدعو أولياء البنت لتزويجها ، فهو البلوغ المتعارف الذي لا متأخّر بعده ، فلا يشكل بأنّ الناس قد يزوّجون بناتهم قبل سنّ البلوغ ، وأبناءهم أيضا في بعض الأحوال ، لأنّ ذلك تعجّل من الأولياء لأغراض عارضة ، وليس بلوغا من الأبناء أو البنات.
وقوله : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) شرط ثان مقيّد للشرط الأول المستفاد من (إِذا بَلَغُوا). وهو وجوابه جواب (إِذا) ، ولذلك قرن بالفاء ليكون نصّا في الجواب ، وتكون (إِذا) نصّا في الشرط ، فإنّ جواب (إِذا) مستغن عن الربط بالفاء لو لا قصد التنصيص على الشرطية.
وجاءت الآية على هذا التركيب لتدلّ على أنّ انتهاء الحجر إلى البلوغ بالأصالة ، ولكن بشرط أن يعرف من المحجور الرشد ، وكلّ ذلك قطع لمعاذير الأوصياء من أن يمسكوا أموال محاجيرهم عندهم مدّة لزيادة التمتّع بها.
ويتحصّل من معنى اجتماع الشرطين في الكلام هنا ، إذ كان بدون عطف ظاهر أو مقدّر بالقرينة ، أنّ مجموعهما سبب لتسليم المال إلى المحجور ، فلا يكفي حصول أحدهما ولا نظر إلى الذي يحصل منهما ابتداء ، وهي القاعدة العامّة في كلّ جملة شرط بنيت على جملة شرط آخر ، فلا دلالة لهما إلّا على لزوم حصول الأمرين في مشروط واحد ، وعلى هذا جرى قول المالكية ، وإمام الحرمين. ومن العلماء من زعم أنّ ترتيب