الواو في (قَتَلُوهُ) ، أي ما قتلوه متيقّنين قتله ، ويكون النفي منصبّا على القيد والمقيّد معا ، بقرينة قوله قبله (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ) ، أي : هم في زعمهم قتله ليسوا بموقنين بذلك للاضطراب الذي حصل في شخصه حين إمساك من أمسكوه ، وعلى هذا الوجه فالقتل مستعمل في حقيقته. وضمير النصب في (قَتَلُوهُ) عائد إلى عيسى ابن مريم ـ عليهالسلام ـ.
ويجوز أن يكون القتل مستعملا مجازا في التمكّن من الشيء والتغلّب عليه كقولهم : قتل الخمر إذا مزجها حتّى أزال قوّتها ، وقولهم : قتل أرضا عالمها ، ومن شعر «الحماسة» في باب الهجاء :
يروعك من سعد ابن عمرو جسومها |
|
وتزهد فيها حين تقتلها خبرا |
وقول الشاعر :
كذلك تخبر عنها العالمات بها |
|
وقد قتلت بعلمي ذلكم يقنا |
وقول الآخر :
قتلتني الأيام حين قتلتها |
|
خبرا فأبصر قاتلا مقتولا |
وضمير النصب في (قَتَلُوهُ) عائد إلى العلم من قوله تعإلىما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) ، فيكون (يَقِيناً) على هذا تمييزا لنسبة (قتلوه).
ولذلك كلّه أعقب بالإبطال بقوله : (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) أي فلم يظفروا به. والرفع:إبعاده عن هذا العالم إلى عالم السماوات ، و (إلى) إفادة الانتهاء المجازي بمعنى التشريف ، أي رفعه الله رفع قرب وزلفى.
وقد تقدّم الكلام على معنى هذا الرفع ، وعلى الاختلاف في أنّ عيسى ـ عليهالسلام ـ بقي حيّا أو أماته الله ، عند قوله تعالى : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ) في سورة آل عمران [٥٥].
والتذييل بقوله : (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) ظاهر الموقع لأنّه لمّا عزّ فقد حقّ لعزّه أن يعزّ أولياءه ، ولمّا كان حكيما فقد أتقن صنع هذا الرفع فجعله فتنة للكافرين ، وتبصرة للمؤمنين ، وعقوبة ليهوذا الخائن.
(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ