كان كلّه رفعا كان جيّدا» ، ومثله (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) [البقرة : ١٧٧] ، ونظيره قول الخرنق :
لا يبعدن قومي الذي همو |
|
سمّ العداة وآفة الجزر |
النازلون بكلّ معترك |
|
والطيّبين معاقد الأزر |
في رواية يونس عن العرب : برفع (النازلون) ونصب (الطيّبين) ، لتكون نظير هذه الآية. والظاهر أنّ هذا ممّا يجري على قصد التفنّن عند تكرّر المتتابعات ، ولذلك تكرّر وقوعه في القرآن في معطوفات متتابعات كما في سورة البقرة وفي هذه الآية ، وفي قوله : و (الصَّابِئُونَ) في سورة المائدة [٦٩].
وروي عن عائشة وأبان بن عثمان أنّ نصب (الْمُقِيمِينَ) خطأ ، من كاتب المصحف وقد عدّت من الخطأ هذه الآية. وقوله : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) ـ إلى قوله ـ (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ) [البقرة : ١٧٧] وقوله : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [طه : ٦٣]. وقوله : (الصَّابِئُونَ) في سورة المائدة [٦٩]. وقرأتها عائشة ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، والحسن ، ومالك بن دينار ، والجحدري ، وسعيد بن جبير ، وعيسى بن عمر ، وعمرو بن عبيد : والمقيمون ـ بالرفع ـ. ولا تردّ قراءة الجمهور المجمع عليها بقراءة شاذّة.
ومن النّاس من زعم أنّ نصب (الْمُقِيمِينَ) ونحوه هو مظهر تأويل قول عثمان لكتّاب المصاحف حين أتمّوها وقرأها أنّه قال لهم : «أحسنتم وأجملتم وأرى لحنا قليلا ستقيمه العرب بألسنتها». وهذه أوهام وأخبار لم تصحّ عن الّذين نسبت إليهم. ومن البعيد جدّا أن يخطئ كاتب المصحف في كلمة بين أخواتها فيفردها بالخطإ دون سابقتها أو تابعتها ، وأبعد منه أن يجيء الخطأ في طائفة متماثلة من الكلمات وهي التي إعرابها بالحروف النائبة عن حركات الإعراب من المثنّى والجمع على حدّه. ولا أحسب ما رواه عن عائشة وأبان بن عثمان في ذلك صحيحا. وقد علمت وجه عربيّته في المتعاطفات ، وأمّا وجه عربية (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) فيأتي عند الكلام في سورة طه [٦٣].
والظاهر أنّ تأويل قول عثمان هو ما وقع في رسم المصحف من نحو الألفات المحذوفة. قال صاحب «الكشاف» : «وهم كانوا أبعد همّة في الغيرة على الإسلام وذبّ المطاعن عنه من أن يتركوا في كتاب الله ثلمة ليسدّها من بعدهم وخرقا يرفوه من يلحق بهم». وقد تقدّم نظير هذا عند قوله تعالى : (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) في سورة البقرة [١٧٧].