يوصي بماله ، فيكون من تأخير البيان إلى وقت الحاجة.
والتعبير بصيغة المضارع في مادة السؤال طريقة مشهورة ، نحو : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ) [البقرة : ١٨٩] ، (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ) [البقرة : ٢١٩]. لأنّ شأن السؤال يتكرّر ، فشاع إيراده بصيغة المضارع ، وقد يغلب استعمال بعض صيغ الفعل في بعض المواقع ، ومنه غلبة استعمال المضارع في الدعاء في مقام الإنكار : كقول عائشة «يرحم الله أبا عبد الرحمن» (تعني ابن عمر). وقولهم : «يغفر الله له». ومنه غلبة الماضي مع لا النافية في الدعاء إذا لم تكرّر لا ؛ نحو «فلا رجع». على أنّ الكلالة قد تكرّر فيها السؤال قبل نزول الآية وبعدها. وقد قال عمر بن الخطّاب : ما راجعت رسول الله في شيء مراجعتي إيّاه في الكلالة ، وما أغلظ لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم في شيء ما أغلظ لي فيها حتّى طعن في نحري ، وقال : «يكفيك آية الصيف الّتي في آخر سورة النساء» ، وقوله : (فِي الْكَلالَةِ) يتنازعه في التعلّق كلّ من فعل (يستفتونك) وفعل (يفتيكم).
وقد سمّى النبي صلىاللهعليهوسلم هذه الآية بآية الصيف ، وعرفت بذلك ، كما عرفت آية الكلالة التي في أوّل السورة بآية الشتاء ، وهذا يدلّنا على أنّ سورة النّساء نزلت في مدّة متفرّقة من الشتاء إلى الصيف وقد تقدّم هذا في افتتاح السورة.
وقد روي : أنّ هذه الآية في الكلالة نزلت في طريق حجّة الوداع ، ولا يصحّ ذلك لأن حجّة الوداع كانت في زمن البرد لأنّه لا شكّ أنّ غزوة تبوك وقعت في وقت الحرّ حين طابت الثّمار ، والنّاس يحبّون المقام في ثمارهم وظلالهم ، وذلك يقتضي أن تكون غزوة تبوك في نحو شهر أغسطس أو اشتنبر وهو وقت طيب البسر والرطب ، وكانت سنة تسع وكانت في رجب ونزل فيها قوله تعالى : (وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) [التوبة : ٨١]. ثم كانت حجّة أبي بكر في ذي القعدة من تلك السنة ، سنة تسع ، وذلك يوافق دجنبر. وكان حجّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم حجّة الوداع في ذي الحجّة من سنة عشر فيوافق نحو شهر دجنبر أيضا.
وعن عمر بن الخطّاب : أنّه خطب فقال : «ثلاث لو بيّنها رسول الله لكان أحبّ إلي من الدنيا وما فيها : الجدّ. والكلالة ، وأبواب الرّبا». وفي رواية والخلافة. وخطب أيضا فقال : والله إنّي ما أدع بعدي شيئا هو أهمّ إليّ من أمر الكلالة. وقال في مجمع من الصحابة: لأقضينّ في الكلالة قضاء تتحدّث به النّساء في خدورها. وأنّه كتب كتابا في ذلك فمكث يستخير الله فيه ، فلمّا طعن دعا بالكتاب فمحاه. وليس تحيّر عمر في أمر الكلالة بتحير في فهم ما ذكره الله تعالى في كتابه ولكنّه في اندراج ما لم يذكره القرآن